ARBTECH

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى اللغة العربية للكلية التقنية بجدة


    الافصاح اللغوي3

    avatar
    احمد حسن


    عدد المساهمات : 11
    نقاط : 33
    تاريخ التسجيل : 13/03/2010

    الافصاح اللغوي3 Empty الافصاح اللغوي3

    مُساهمة  احمد حسن السبت مارس 13, 2010 5:37 pm

    النسبة في النحو
    د . عبد الوهاب حسن حمد
    المقدمة

    النحو : نظام لغوي يهتم بترتيب الألفاظ على طريقة مسموعة ومعلومة تتحصل به صور مرفقة بالمعاني ترفد ذهن السامع والقارئ، وهو الميزان الذي يعرف به نقصان الكلام وتمامه وبلاغته ورجحانه على غيره، وهو المقياس الذي يتبين به صحيح الكلام من سقيمه، ويعني بتأليف الكلام على وجه من التركيب والترتيب مولياً نضده ونظمه الذي عليه بني وفيه أفرغ المعنى اهتماماً كبيراً، ولا يتحقق هذا النظام إلا بالعلم بأحكام نسب الكلم في ذاتها، وفي التركيب لبيان ما يعرض لها بحسب مراد المتكلم، وذلك بمعرفة المعنى الزائد للكلم على معانيه المعجمية في التركيب، وكشف المدلول التركيبي للجملة بإدراك دوال النسب الرابطة لمعاني المفردات اللغوية، وبيان وظائفها التركيبية.
    درس القدماء والمحدثون أدوات الربط وفق مذاهب مختلفة، وفي أبواب متفرقة تبعاً للمنهج المعياري أو الوصفي أو الاصولي وغير ذلك. وقد ظهر لي ان العربية تنظر إلى العلاقات بين الكلمات وأدوات الربط على أنها علاقات تلازم عضوي وثيق لا تسمح بأن يفصل بينها لذا فإن فكرة النسبة قائمة على العلاقات بين أجزاء الجملة، وإن الرابط هو الدال على المعنى النحوي بعلامة تبين تحمل الكلمة لذلك المعنى، وهو مدلول النسبة، والدال على ذلك العلامات الاصلية والفرعية للاعراب والقاب البناء والرتبة والموقع في المبنيات ، تلك دلائل النسبة لبيان المقصود ومراد المتكلم، والغاية من التركيب أو نظم الثلمات، والنسبة في اللسان او اللغة كالنسبة البشرية والمصاهرة والتبعية تخضع لقوانين البيئة وما تعارف فيها ومصداق ذلك قوله تعالى (( وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا – الفرقان 54 )) فكان الانسان ذانب وذا صهر، وكذلك لغته، يجري عليها ما يجري عليه فكل كلمة فيها لها ما يربطها بما قبلها وما بعدها ومن هنا نشأت فكرة العمل والعامل والتأثير المتبادل فكان لابد من ظهور آثار ذلك لفظا ومعنى، للدلالة على المراد من الكلام ، وما فيه من علاقات بعضه ببعض ، فالاسم يرفع أي أي ينسب اليه ويتحدث عنه ، لأنه المحدث والشأن الذي يبني عليه الكلام ويكون حديثا في حال الاقرار والاعتراف اما الفعل فهو حديث ومسند ، لأنه وصف ، بدليل عدم صلاحه للإسناد اليه إلا على التأويل ، ولأنه حدث وقع من محدث على شيء او تظهر في محدثه او يعكس وجهة نظر محدثه في اشياء ، ولما كان الفعل بحسب فاعله قوة وضعفا تعدد اثره ، والاصل في الحروف انها وضعت للمعاني اختصارا من التصريح بالاسم أو الفعل الدال على ذلك المعنى ، وللتفريق بين المعاني فكان الاصل في العمل للفعل والحروف دخلت موصولة لها الى الاسماء ، فلما اختفت عملت فكانت تلو الافعال في العمل ، فعملت الجر والجزم.
    ولبيان ذلك جاء البحث موزعاً على ثلاثة مباحث : درس الأول النسبة الأصلية وقيودها، وتنأول الثاني الصيغ، لأنها من دوال النسبة، واهتم الثالث بالحروف، لأنها أدوات الربط، وقد خرج البحث بنتائج أرجو أن تكون نافعة في بابها.
    المبحـث الأول
    النسبة الاصلية
    النسبة العزو(1)، وهي آلة ينعقد بها الكلام فيفيد معنى تاماً، فإذا ركبت الكلمة مع أخرى تركيباً إسنادياً، فقد نسبت إحداهما للأخرى، لأن الاسناد نسبة إحدى الكلمتين حقيقة أو حكماً إلى الأخرى بحيث تفيد المخاطب فائدة تامة. وإن النسبة أعم من الاسناد، لأنها تضم الاسناد المفيد فائدة يحسن السكوت عليه، والذي لا يحسن السكوت عليه كالمضاف إليه، والصفة والموصوف والجار والمجرور والصفات، والنسبة هي :
    ( إضافة شئ إلى آخر وربطه، من أجل ذلك كان بها حاجة دائماً إلى طرفين منسوب ومنسوب إليه )(2) ، وهي ( الجهة ) في المذهب الوصفي، لأنها مظهر من مظاهر الترابط السياقي في اللغة، وقد عرفها أتباعه بقولهم : ( أما الجهة فهي الضميمة التي تفسر العموم الناشئ من اثبات المسند والمسند اليه والثلاثة معاً تساعد على التماسك في السياق )(3) فإذا تركب من الطرفين كلاماً تاماً يبنى عليه غيره، كالمبتدأ والخبر والفعل والفاعل، فهو أصل لغيره، وتعد النسبة فيه أصلية، لأنها تؤلف بينهما، وهي ركن ثالث لهما يجمعهما ( وليست الألفاظ المتألفة في جمل إلا صوراً منطوقة لما هو حاصل في الذهن من التركيب المعنوي والتأليف في الذهن هو ربط الصور الذهنية المفردة بعضها ببعض على نحو تتحقق معه صلة ونسبة بين هذه الصور، فاذا أردنا أن نعبر عن ذلك أو ننقله إلى ذهن السامع أو المخاطب عبرنا عنه بمركب لفظي )(4) .
    والتركيب هو الذي ينعقد به الكلام ويحصل منه الفائدة، فإن ذلك لا يحصل إلا من اسمين، نحو زيد اخوك، والله إلهنا، فكما يكون مخبراً عنه فقد يكون خبراً، أو من فعل واسم نحو : قام زيد وانطلق بكر، فيكون الفعل خبراً والاسم مخبرا عنه ولا يأتي ذلك من فعلين، لان الفعل نفسه خبر، ولا يفيد حتى تسنده الى محدث عنه ولا يتأتى من فعل وحرف، ولا من حرف واسم، لان الحرف جاء لمعنى في الاسم والفعل فهو كالجزء منهما، وجزء الشئ لا ينعقد مع غيره كلاماً، ولم يفد الحرف مع الاسم إلا في موطن واحد، وهو النداء خاصة، وذلك لنيابة الحرف فيه عن الفعل(1).
    فالتركيب الذي ينعقد من طرفيه تأليفاً يسمى جملة وأقل ائتلافه من اسمين أو فعل واسم، وصور تأليف الكلام ست، وذلك ( لأنه يتالف من اسمين أو من فعل واسم، أو من جملتين، أو من فعل واسمين، أو من فعل وثلاثة أسماء، أو من فعل وأربعة اسماء )(2). وقد يكون التركيب إفرادياً ونسبته فرعيه لاتشكل كلاماً تاماً أو اسنادياً ونسبته اصلية تكون جملة مفيدة، وذلك ( أن التركيب على ضربين : تركيب افراد وتركيب اسناد فتركيب الافراد أن تاتي بكلمتين كانتا بازاء حقيقتين فتركبهما وتجعلهما كلمة بازاء حقيقة واحدة وهو من قبيل النقل … ولا تفيد هذه الكلم بعد التركيب حتى يخبر عنها بكلمة أخرى … و تركيب الاسناد أن تركب كلمة مع كلمة تنسب إحداهما إلى الأخرى فعرفك بقوله اسندت إحداهما إلىالاخرى أنه لم يرد مطلق التركيب بل تركيب الكلمة مع الكلمة إذا كان لإحداهما تعلق بالاخرى على السبيل الذي به يحسن موقع وتمام الفائدة )(3)، وذهب الأصوليون إلى أن الجملة ليس بفائدتها التامة بل بمدلولها التركيبي فقالوا : ( وأما الجملة فلأن سر تسميتها ( جملة ) ليس بفائتها التامة بل بمدلولها التركيبي بحيث يكون لكلماتها المفردة معناها المعجمي الخاص، ولهيئتها التركيبية القائمة بهذه الكلمات معناها النحوي الخاص الزائد على معاني المفردات، ولا شك أن هذا المعنى التركيبي الزائد يحصل من تركيب يحسن السكوت عليه كهيئة ( القطار قادم )، فإن فيهما ( معنى زائد ) على معنى القطار ومعنى القدوم هو نسبة إلى القطار وربطه به الا أن هذا المعنى في الهيئة الأولى تام وفي الثانية ناقص )(4).
    ورفض المحدثون، ربط الجملة بالاسناد وعدوا ذلك تشويهاً للغة، لانها قد تكون تامة بغير اسناد، لأنهم رأوا واهمين أن اللغة قد مسخت بإخضاها للمنطق، وظنوا أن البديل الصحيح هو ترك الاسناد، لأن التراكيب الناقصة قد تفيد معنى كالجملة الكاملة ولكنها لا تتكون من مسند ومسند اليه، وغايتهم إبعاد تقدير عوامل لا موضع لها في التراكيب، وإظهارها يزيد التراكيب تشويها.
    وحجة المحدثين أن التقدير الذي رآه القدماء متمماً للمعنى لا يزيد في المعنى شيئاً، وهو لغو متأثرين بفكرة رفض نظرية العامل، ولو أنهم عرفوا معنى العامل حقيقة، لتغير موقفهم. إن العامل في الحقيقة هو الرابط لأجزاء الجملة وليس الاثر اللفظي الذي يوجده المؤثر اللفظي والمعنوي، لأن النسبة تجعل طرفيها متحدي المعنى، وكأنهما كلمة واحدة، بدليل أن المضاف إليه يقوم مقام المضاف والصفة إذا غلبت تقوم مقام الموصوف، وكذلك المبتدأ والخبر والفعل والفاعل، لأن وسائل التماسك والتوافق والتأثير السياقي هي وسائل الربط في السياق.
    إن ما يجعل السياق سياقاً مترابطاً انما هي الظواهر في طريقة تركيبه أو رصفه لولاها لكانت الكلمات المتجاورة غير آخذ بعضها بحجر بعض في علاقات متبادلة تجعل كل كلمة منها واضحة الوظيفة في هذا السياق.
    إن الترتيب بين الأبواب والمطابقة بين الاجزاء المعينة في السياق لا تفصح عن آلات الربط، وهي فرضيات عامة لا تصلح في التطبيق، ولا تتخذ منهجاً في التعبير، لأنه قد تطرأ على معاني الألفاظ أدوات تغير معانيها إثباتاً ونفياً، كما أن الكلمة من وجهة نظر تأليفية لفظية، أي من ناحية صلاحيتها لأن تكون ركناً في التأليف ليست واحدة فمنها ما يصلح لأن يقع مسنداً ومسنداً اليه او منسوبا او منسوبا اليه، وهو الاسم، وما لا يصلح الا ان يكون مسندا، وهو الفعل، وما لا يصلح للوقوع منسوبا ولا منسوبا اليه، وهو الحرف، وهذه الحدود ليست مطلقة فقد يسلب الاسناد من الاسم، كما في ضمائر الفصل وكاف الخطاب في ( ذلك ) وغيرها، وفي الفعل ( أريتك ) وفي ( إياك )، كما يسلب الحدوث من الافعال الجامدة كليس وعسى ونعم وبئس وحبذا وفعلي التعجب لتكون إعلاما على معان حرفية، ويكون المنسوب منسوباً اليه، كما في ( حبذا ) إذ يعرب مبتدأ لغلبة الاسمية عليه، ومن الحروف ما يكون منسوباً اليه كبعض حروف الجر، والاسم يعرف بالاسناد لمدلوله بحسب معناه المعجمي والعرفي ودلالته على مسماه الذاتي أو المعنوي غير المشخص، احترازاً من الاسناد اللفظي، فإنه يوجد في الاسم والفعل والحرف والمستعمل والمهمل نحو : زيد ثلاثي، وضرب ثلاثي وإلى ثلاثي وديز مقلوب زيد، والاسناد أعم من الاخبار اذ يصدق على نحو اضرب ولا يصدق عليه الاخبار.
    ومرادف مدلول الاسم، مثل سبحان فانه لا يسند لمدلوله بلفظه بل بمرادفه وهو قولك تنزيه الله واجب ولا تقول سبحان الله واجب(1).
    والنسبة قد تكون بين طرفين جردا للاسناد، كما في المبتدا والخبر، والفعل والفاعل أونائبه، وهو التركيب الاسنادي التام، أو تكون بين طرفين لم يجردا للاسناد، وانما يكونان تركيبا افراديا، كما في الاضافة والصفات والمصادر، لأنها لم توضع اصلاً للاسناد، ولكنها لا تخلو من نسبة تربط طرفيها لتؤدي معنى خاصا لا يؤديه غيرها من الابتدائية والفعلية في النسبة الاصلية، لأنهما اصلا الاسناد الاسمي الدال في الغالب على ثبوت الصفة اذا لم يقصد المتكلم في الجمل الفعلية وقتاً معيناً لحصول الاحداث فيها، وإنما يقصد إلى معرفة نسبة الحدث، أو امكان حصوله ( فهناك كثير من التراكيب لا يطلب فيها المتكلم اكثر من معرفة نسبة الحدث ووقوعه، وكأنه في ذلك أحال الأحداث إلى ما يقترب من اتصاف المسند اليه في الجمل الاسمية، لأن مضمونها الفعلي لم يقع على اساس التصور الذهني للاحداث، وذلك التصور الذي لا يحتاج في الغالب إلى زمن ما، كما ان بعض الافعال لا يقصد منها الدلالة الزمنية كالماضي – مثلا – لايدل في بعض استعمالاته على الزمن، وانما يراد به اثبات الصفة فيما اسندت اليه بصيغة ( فَعَل ) و( فَعِل ) و( فَعُل ) دون اشارة تعرب عن الزمن الماضي نحو : كرم محمد، وحسن خلقه، وشرف زيد )(2)، وان كان يستعمل ( المضارع في بعض المواضع للدوام ايضاً، نحو قولك : زيد يؤوي الطريد ويؤمن الخائف ويقبض ويبسط، وذلك ايضا لمشابهته لاسم الفاعل الذي لا دلالة فيه وضعاً على الزمان، فلما كان المراد التنصيص على الدوام واللزوم لم يستعمل العامل اصلاً لكونه إما فعلاً، وهو موضوع على التجدد، أو اسم فاعل، وهو مع العمل كالفعل بمشابهته فصار العامل لازم الحذف، فإن ارادوا زيادة المبالغة جعلوا المصدر نفسه خبراً عنه نحو : زيد سير سير، وما زيد الا سير، كما في المبتدأ في : فانما هي اقبال وادبار، فينمحي اذن عن الكلام معنى الحدوث اصلا لعدم صريح الفعل، وعدم المفعول المطلق الدال عليه، ولمثل هذا المعنى أعني زيادة المبالغة في الدوام رفعوا بعض المصادر المنصوبة )(1). إن الفعل بوضعه دال على الحدوث والتجدد ومقيد بهما، فاذا عرض له معنى حرفي بالمبالغة سلب منه الحدوث والتجدد، فيدل على الثبات كالاسم، وما قيل في تعليل ملازمة الفعل للحدوث ( لأن الفعل لا بد فيه من الأنباء عن التجدد والحدوث )(2)، ليس على إطلاقه صحيحاً، فان الفعل لا بد فيه من الأنباء عن النسبة، لأنه لا يفارقها والامر ايضا قد يتجرد عن الحدث والزمن وذلك اذا ورد في سياق حكمة أو مثل، فانه لا يكون مقصودا منه غير الموعظة مثال الحكم قول القائل : اتق شر من احسنت اليه، ومثال الامثال : اعقلها وتوكل، فهو وان تجرد عن الحدث والزمن، لا يتجرد عن النسبة، لذلك يرى المحدثون ان الكوفيين على حق في ابعاد الامر ان يكون قسيما للماضي والمستقبل، وذلك ان ( فعل الامر ) طلب، وهو حدث كسائر الافعال غير ان دلالته الزمنية غير واضحة ، ذلك ان الحدث في هذا الطلب غير واقع الا بعد زمان التكلم، وربما لم يترتب علىهذا الطلب ان يقع حدثا من الاحداث، لذلك فالامر فيه معنى الحرفية، لأن الطلب معنى حرفي وليس معنى فعلياً، وقد لمح العرب فيه ذلك فبنوه على السكون، ويعني انعدام الحركة، كما بنوا الحروف عليها الا لعارض صوتي. فالنسبة الثابتة الدائمة تضم الجملتين الاسمية والفعلية من ناحية المعنى والربط وعلامة ذلك الرفع بالاسناد، لأنه علم الاسمية. قال ابن يعيش في المبتدا والخبر : ( وكونهما مجردين للاسناد هو رافعهما، لأنه معنى قد تنأولهما معاً تنأولاً واحداً )(3).
    فالنسبة الاسمية جعلت الطرفين بناءاً واحداً لتعلق احدهما بالاخر، فالمبتدا كل اسم ابتدئ به ليبنى عليه الكلام والمبني عليه رفع. فالابتداء لا يكون الا بمبني عليه، فالمبتدأ الأول والمبني وما بعده عليه فهو مسند ومسند اليه(4).
    اما تقديم المنسوب اليه في الاسمية وتاخيره في الفعلية، فلغرض الاخبار عنه، ولكن الاسبقية تكون للمخبر عنه أو المنسوب اليه، وهو الاسم لذلك اشترطوا فيه التعريف لكونه معلوما بخلاف الخبر، فانه نكرة، لأنه حديث مبين للمنتسب اليه، لأن وظيفة النسبة هي ربط المنسوب بالمنسوب اليه لا ربط المنسوب اليه، ولا يلزم على هذا تقدم الفاعل، لأن الفعل لا يكون الا مسنداً، والاسم يصلح للمسند والمسند اليه، وان الفاعل يحقق معنى الفعل، ومن جهة العمل فالمبتدأ عامل في الخبر بالابتداء، وهو معنى حرفي رابط يقتضي نسبة الحديث عنه أو الاخبار عنه والفعل عامل في الفاعل، لأنه حديث يقتضي محدثاً ولا يصلح الفعل للحديث عنه، لأنه منسوب لا منسوب إليه، لذلك قالوا : رتبة العامل التقدم على معموله، أو لأن عامل الفاعل أقوى من عامل المبتدأ، وأصل المرفوعات المبتدأ، لأنه باق على ما هو الأصل في المسند إليه، وهو التقديم بخلاف الفاعل، لأنه يحكم عليه بكل حكم جامد ومشتق، فكان أقوى بخلاف الفاعل فإنه لا يحكم عليه إلا بالمشتق لتضمنه الضمير العائد، لأن الخبر أو المسند ينبغي أن يكون هو المبتدأ أو المسند إليه في المعنى.
    واما ( تقدم المبتدأ فلأن حق المنسوب ان يكون تابعا للمنسوب اليه، وفرعا له، وأما تقدم الخبر، فلأنه محط الفائدة ، وهوالمقصود من الجملة، لأنك انما ابتدات بالاسم لغرض الاخبار عنه ، والغرض، وان كان متأخراً في الوجود الا انه متقدم في القصد )(1).
    ان المبتدا اسم، والاسم لما كان يصلح لطرفي النسبة، والاسماء توصف ولا يوصف بها، ولبيان المنسوب اليه، تقدم، وتقدمه دليل الاهتمام به، لأنه متحدث عنه و( الفعل حديث وخبر فلا بد له من محدث عنه يسند ذلك الحديث اليه، وينسب اليه وإلا عدمت فائدته، والفاعل : كل اسم ذكرته بعد فعل واسندت ونسبت ذلك الفعل إلى الاسم. وقيل : كل اسم تقدمه فعل غير مغير عن بنيته )(2)، فالغرض الأول هو الخبر فلما صلح الفعل تقدم، لهذا ينبغي ان نعلم ( ان معاني الكلام كلها معان لا تتصور الا فيما بين شيئين والاصل والأول هو الخبر، واذا احكمت العلم بهذا المعنى عرفته في الجميع )( 3)، فصار الفعل ملازما للاسناد دون الاسم، واختص به فتقدم اما الجملة الاسمية فقد تقدم المعلوم على المجهول، بدليل اشتراط التعريف في المبتدأ، واما قول النحاة ( أصل الخبر التنكير، لأن المسند ينبغي أن يكون مجهولاً فليس بشئ، لأن المسند ينبغي أن يكون معلوماً كالمسند إليه، وإنما الذي ينبغي أن يكون مجهولاً هو انتساب ذلك المسند إلى المسند اليه، فالمجهول في قولك زيد أخوك، هو انتساب أخوة المخاطب إلى زيد واسناده إليه لا اخوته )(1)، ولكنهم توسعوا في الكلام ( فاجروا بعض الافعال مجرى الحروف فنسبوا معانيها إلى الجمل، وذلك كان واخواتها، فإنهم ادخلوها على المبتدأ والخبر على نسبة معانيها إلى مضمونها، ثم رفعوا بها المبتدأ تشبيهاً بالفاعل ونصبوا الخبر تشبيهاً بالمفعول، والذي ينبغي أن يحمل عليه قول من قال : إن كان الناقصة مسلوبه الدلالة على الحدث انها مسلوبة أن تستعمل دالة على الحدث دلالة الأفعال التامة بنسبة معانيها إلى مفرد ولكن دلالة الحروف عليه فسمي ذلك سلبها لدلالته على الحدث بنفسه )(2).
    فالمبتدأ بعد دخول النواسخ أشبه الفاعل، إذ نسب إليه فقيدت نسبته بفعل، بعد أن كان منسوباً إليه بالابتداء وهو معنى حرفي، والناسخ معنى حرفي ، لأن الابتداء كان يضمهما جميعاً، وكذلك الناسخ ، لأنه : ( قد صار كالعوض من الحدث والفائدة منوطة به فكما لا يجوز اسقاط الفعل في قام زيد، فكذلك لا يجوز حذف الخبر، لأنه مثله )(3)، فقد تقدم المبتدأ، لأنه لا يثبت على الابتداء بدليل دخول النواسخ عليه، فينسب اليه مرة بالحديث عنه بالخبر وأخرى بما كان في الصدارة بحسب اهتمام المتكلم، ولأنه أول فيقع عليه التغيير ويبني عليه بدليل أنه ينسب اليه بالجامد والمشتق والفاعل لا ينسب اليه الا بالمشتق، فسعة المبتدأ في النسبة إليه، وضيق الفاعل بالنسبة جعلته أولاً واوجبت تقددمه وانما قدر الفعل دون الخبر، لأن تقدير الخبر يوجب حذف الجملة، وتقدير الفعل يوجب حذف احد جزئيها والتقليل في الحذف أولى.
    فالخبر قد يكون جملة ينسب معناها إلى المبتدا بخلاف الفعل، فهو لا يكون الا احد جزئيها ولشدة طلب الفاعل اليه اقتضى ذلك تقديره إن لم يظهر، ولأن الفاعل الجزء المتمم له، فيقوم احدهما مقام الاخر، لأن النسبة لا تفارقهما بخلاف الخبر، لأنه قد يكون تاماً بذاته. ( الا ترى ان ما كان مبتدأ قد تدخل عليه هذه الاشياء حتى يكون غير مبتدأ، ولا تصل إلى الابتداء مع ما ذكرت لك إلا ان تدعه، وذلك انك اذا قلت : عبد الله منطلق، إن شئت ادخلت رأيت عليه فقلت : رأيت عبد الله منطلقا او قلت كان عبد الله منطلقا أو مررت بعبد الله منطلقاً فالمبتدأ أول جزء، كما كان الواحد أول العدد، والنكرة قبل المعرفة )(1).
    وقد يصبح المبتدا منسوباً بعد ان كان منسوباً اليه، وذلك اذا دخل عليه عامل فيه فيسلب منه النسبة اليه، ويكون العامل منسوباً اليه، لأن فيه الاسماء الصالحة للنسبة اليها، فاما المبني على الاسماء المبهمة فقولك : هذا عبد الله منطلقاً، وهؤلاء قومك منطلقين، وذلك عبد الله ذاهباً، وهذا عبد الله معروفاً، فهذا اسم مبتدأ مسند اليه والمبني عليه مسند، فقد عمل هذا فيما بعده ، كما يعمل الجار والفعل فيما بعده، والمعنى انك تريد أن تنبهه له منطلقاً لا تريد أن تعرفه عبد الله، لأنك ظننت أنه يجهله، فكأنك قلت : ينظر اليه منطلقاً، فمنطلق حال قد صار فيها عبد الله صاحب الحال وحال بينه وبين منطلق، وهذا كما حال بين راكب والفعل حين قلت جاء عبد الله راكباً، صار جاء لعبد الله وصار الراكب حالاً فكذلك هذا(2)، فأصبح المبتدأ خبراً بعد أن كان مخبراً عنه، فقضية التقدم لأجل النسب اليه، والحديث عنه، لأنه متحدث عنه، ففي أي موقع يكمن الحديث والمتحدث عنه توجد النسبة، والأساس في ذلك جمع الطرفين وضمهما لاجل الفائدة وحصولها في الربط بين ركنيها اسمين كانا أم اسما وفعلاً أم فعلاً و اسمين، نسب إليهما، لأن الفعل يلازم الاسناد، ولكنه مرة ينسب معناه إلى مفرد وأخرى يسلب منه الحدث أو ينقص فيتمم بالجملة، وكذلك في اسلوب المدح والذم ، فقد سلب من افعاله الحدوث ، فغلب عليها المعنى الحرفي ، فنسبت معانيها إلى اسمين، وتحولت إلى المعاني الحرفية وذلك ( لأنه سلب من الفعل معنى الزمان والحدوث فصار معنى نعم جيد، فكأنه صفة مشبهة، ومجوز ذلك كون جميع الافعال في المعنى صفات لفاعلها فصار نعم الرجل كجرد قطيفة، وذلك لأنه تقرر بالدليل أن المخصوص مرتفع بالابتداء ما قبله خبر لا خبر مبتدأ مقدر، إذ لو كان خبر مبتدأ مقدر لم تدخل نواسخ المبتدأ عليه، مقدماً على فعل المدح والذم ومؤخراً عنه، نحو كنت نعم الرجل ونعم السيدان وجدتهما، فإذا ظهر كونه مبتدأ ما قبله خبره، فلو كان باقياً على جملته لوجب أن يكون فيها عائداً اليه، ويؤيد كونها بتقدير المفرد دخول حرف الجر على نعم وبئس مطرداً، وليس ذلك على الحكاية وحذف القول كما قال بعضهم، وحكى قطرب نعيم الرجل على وزن شديد وكريم فهذه الحكاية إن صحت تؤكد كون نعم كالصفة المشبهة، فيحمل ما جاء مطرداً من نحو : يانعم المولى ويانعم النصير ويا بئس الرجل على أنه منادى وأيضاً يجوز دخول لام الابتداء ولام القسم عليهما نحو : إن زيداً لبئس الرجل ووالله لنعم الرجل أنت مع انهما لا تدخلأن الماضي من دون قد )(1)، فقد تحولت أفعال المدح والذم لغلبة الحرفية عليها إلى الجمود فالتقت بالاسمية لجمودها، فنسبت اليها بالجر والنداء ودخول لام الابتداء والقسم، وذهب المحدثون إلى ان هذه الافعال قد اتجهت في العربية اتجاهاً خاصاً للتعبير عن فن من فنون القول، لأن هذه الالفاظ أفعال خاصة تحولت من فعليتها الصريحة فتفرغت عن مادة الفعل من حيث الدلالة على الحدث المقترن بزمان ما للاعراب عن اسلوب خاص من أساليب الكلام، وهو المدح أو الذم ولذلك فقدت التصرف فجمدت على حالتها المعروفة، والقول بأنها فعل ماض غير سديد. فقد سلبت الفعلية منها بمعناها الصريح بدليل نسبتها إلى مرفوعين، والفعل ينسب معناه إلى مرفوع واحد. ( إذن من التعسف ان نطلب من كل تركيب مقرون بالحدث المعنى الزمني، فهناك كثير من التراكيب لا يطلب فيها المتكلم أكثرىمن معرفة نسبة الحدوث ووقوعه )(2). لافتقار الحدث إلى محدث في الفعل والصفة الجارية مجراه ( لأن الصفة في افتقارها إلى تقدم الموصوف كالفعل في افتقاره إلى الفاعل، والصفة مشتقة من المصدر، كما ان الفعل كذلك فلما قاربت الصفة الفعل هذه المقاربة جرت مجراه )(3)، وكذلك جميع الافعال في المعنى صفات لفاعلها.
    فالنسبة هي العامل، لأنها آلة الربط ( فينبغي أن يكون العامل في الفاعل والمفعول ايضاً النسبة التي بينهما وبين الفعل، كما قال خلف العامل في الفاعل هو الاسناد لا الفعل )(1)، فالمطلوب من التركيب بيان النسبة. لأن الزمن يحدده السياق والقرائن التأريخية والاجتماعية والدينية وغير ذلك، كما أن النسبة سبب في تغيير التركيب وتحويل المنسوب اليه إلى منصوب بعد أن كان مرفوعاً وذلك في التمييز ( عن نسبة في جملة أو شبهها أي النسبة سبب له، لأنك تنسب شيئاً إلى شئ في الظاهر، والمنسوب اليه في الحقيقة غيره، فتلك النسبة اذن سبب لذلك التمييز، نحو حسبك يزيد شجاعا، إن التمييز عن النسبة، والتمييز نفس المنسوب اليه لا متعلقه فمعنى لله در زيد رجلاً. لله در رجل هو زيد، واما قولهم طاب زيد علماً ودارا فالتمييز متعلق المنسوب اليه لا نفسه، لأن المعنى طاب علم زيد ودار زيد، وفي طاب زيد نفساً، طاب شئ زيداً نفساً أو علماً أو داراً فالذات المقدرة هي الشئ المنسوب اليه )(2).
    فزيد في طاب زيد علماً كان منسوباً اليه نسبة خاصة، لأنه مضاف اليه فتحول إلى نسبة أصلية، فصار منسوباً اليه نسبة تامة، وتحول ( علم ) من منسوب اليه إلى فضله مفسرة لإجمال النسبة.
    وقد جعل الاصوليون النسبة التامة ثلاثة أنواع هي :
    1. النسبة الحديثية التي تقع بين طرفي اسنادهما الحدث ومحدثه، ويعبر عنها بالجملة الفعلية.
    2. النسبة الاتحادية التي تقع بين طرفي اسنادهما المبتدأ وخبره، ويعبر عنها بالجملة الاسمية.
    3. النسبة التعليقية التي تقع بين جملتين كانتا اسناديتين ثم صارتا طرفي نسبة تامة جديدة هما المعلق والمعلق عليه ويعبر عنها بالجملة الشرطية(3). وهذا التقسيم ليس على اطلاقه صحيحاً لما تقدم من تقارب الاسمية والفعلية، وتحولهما بحسب النسبة وطرفيها، وذلك ( لأن احد اجزاء الكلام هو الحكم أي الاسناد الذي هو رابطة، ولا بد له من طرفين مسند ومسند اليه والفعل يصلح لكونه مسنداً لا مسنداً اليه، والحرف لا يصلح لأحدهما )(1)، ولكن لا يبقى الاسم في التركيب على وضعه، وكذلك الفعل والحرف، فيحصل التطفل والسلب والتركيب والنقل والغلبة لجانب على آخر فتتغير الحدود وتتحول النسب والفاصل في ذلك النسبة.
    إن ( الاسم تطفل على الفعل فيما هو من خواص الفعل، وليس ذلك لمطلق المناسبة بينهما، وذلك كما يصير اسم الفعل بمعنى الفعل ويتضمن هنا اسم الفاعل والمفعول والصفة المشبهة و المصدر معنى الفعل فبتطفل الاسماء على الافعال في المعنى فتعطى حكم الفعل )(2)، وكذلك العرف الاجتماعي يغير دلالة الكلمة ويؤثر على نسبتها، لأنه يربط بين الكلمة ومعناها، فالعلاقة بين المنطوق وبين معناه توصف بأنها اجتماعية، فالكلمة بحسب الوضع أو مراد المتكلم والعرف تتحمل وظيفة في التركيب تنعقد فيه بنسبة معناها إلى غيره أو بتحملها لما ينسب اليها، فما نسب اليه منها يصلح ان تجعله مع الاسماء، وما صلح لأن يكون منسوباً لا غير يصلح ان يكون فعلاً، وما لم يصلح لاحدهما يكون آلة للربط بين الطرفين المنسوب والمنسوب اليه يصلح لجعله مع الحروف، وذلك بالنقل وتعدد المعنى الوظيفي للمبني الواحد، ولا بد ان يتضافرا في التفريق الدقيق بين أقسام الكلم من حيث المبنى والمعنى، فقد ينقل الفعل إلى العلمية مثل شمر ويزيد وينقل الوصف إلى العلمية نحو حسن وعامر، وينقل اسم الاشارة ( هنا وثم ) إلى معنى الظرفية المكانية أو الزمانية، نحو قوله تعالى (( هنالك دعا زكريا – آل عمران 38 )) وقوله (( وخسر هنالك المبطلون – غافر 78 ))، ويدل الضمير على التوكيد، وهو معنى الحرفية، نحو قوله تعالى (( كنت انت الرقيب عليهم – المائدة 117 )) وقوله (( اسكن ات وزوجك الجنة – البقرة 35 ))، وينقل الاسم الذي بمعنى صاحب إلى الظرفية، نحو قوله تعالى (( وترى الشمس اذا طلعت تزأور عن كهفهم ذات اليمين واذا غربت تقرضهم ذات الشمال – الكهف 17 )).
    فقد نقلت تلك الالفاظ من معنى إلى آخر بالنسبة داخل التراكيب، حيث تحول النسوب إلى منسوب اليه، كما في الافعال المنقولة، اما الاشارة فتحولت إلى ظروف، أي من منسوب اليه إلى منسوب والضمير تحول من الكنايةعن الذات إلى التوكيد والفصل، بدليل مجيئهما بلا محل من الاعراب، واما ( ذات ) فقد اكتسبت الظرفية بالاضافة أي بالنسبة.
    وتتردد الفاظ بين الحرفية والاسمية ، بحسب المعنى فتتغير وظيفتها في التركيب وفق ذلك ، نحو مذ ومنذ وعلى وعن والكاف، نحو قوله تعالى (( إني اخلق لكم من الطين كهئية الطير فانفخ فيه فيكون طيرا –آل عمران 49 )) أي مثل صورته، فالكاف اسم ، لانه جاء لمعنى فيه، ويعرب مفعولا به، اما الكاف في قوله تعالى (( وتكون الجبال كالعهن المنقوش – القارعة 5 )) فهي حرف جر وتشبيه ، وفي قواه تعالى (( ليس كمثله شىء – الشورى 11 )) الكاف زائدة ، لانه تعالى لامثل له وتكون حرف خطاب مع الضمير ( ايّا ) والفعل ( أرأيت ) وفي اسماء الاشارة ، وتكون ضمير نصب وجر وتاتي في محل رفع مع المصدر مثل كونك قائما ، لانه اسمه اما الكاف في قوله الاعشى(1) :
    لاتنتهون ولن ينهى ذوي شطط
    كالطعن يذهب فيه الزيت والفتل
    فهو هنا اسم بمعنى مثل مبنى على الفتح في محل رفع فاعل .

    المبحـث الثانـي
    الصيـغ
    الصيغة معنى حرفي يؤدي نسبة معينة، وذلك في الافعال والمصادر والصفات، فالفعل بمادته دال على الحدث وبصيغته دال على انتتساب الحدث إلى فاعل ( إن النسبة إلى فاعل ما معنى حرفي هو آلة لملاحظة طرفيها فلا يستقل بالمفهومية )(1)، وقد كان الرأي السائد بين النحويين ان مادة الفعل تدل على ( الحدث ) وهو معنى مستقل في نفسه، وصيغته تدل على الزمن، وهو معنى مستقل ايضاً، قال ابن جني في الدلالة اللفظية والصناعية والمعنوية ( فمنه جميع الافعال ففي كل واحد منها الادلة الثلاثة الا ترى إلى
    ( قام ) ودلالة لفظه على مصدره ودلالة بنائه على زمانه ودلالة معناه على فاعله فهذه ثلاث دلائل من لفظه وصيغته ومعناه )(2)، إن المعاني الفعلية عارضة ومؤثرة ولا تتم الا بحصول نسبتها إلى فاعلها، لذلك كان الفعل عاملاً في غيره ، والاصل في العمل للفعل لحاجته الشديدة للاسم، لأنه منبئ عن حركة الفاعل، فبني، لأنه جزء كلمة، وكان في الاعراب فرعا بخلاف الاسم بدليل ان الفعل مع الفعل لا يكون كلاماً، والاسم مع الاسم يكون كلاماً تاماً، اما الزمن، فليس وظيفة الصيغة وحدها، لأنها قد تتجرد منه كما تقدم ووجب تأخير الفاعل، لأنه كالجزء من الفعل لشدة احتياج الفعل يدل على ذلك تسكين اللام في ( ضربت )، لأنه يرفع توالي أربع حركات فيما هو بمنزلة كلمة واحدة.
    إن معنى قولهم : ( الفعل والفاعل كالكلمة الواحدة )(3)، ارتباطهما بالنسبة واتحادهما، بدليل بناء الفعل على السكون اذا اتصل به ضمير رفع متحرك، وعلامة الافعال الخمسة جاءت بعد الفاعل، وصيغ الفعل الثلاثي ( فعَل ) و ( فعِل ) و ( فعُل ) متحـركة العين وكذا صيـغة ( فُعِل ) يدل على ان الفعل ملازم للنسبة ( والظاهر ان دخول النسبة في مفهوم الفعل، وانها معنى حرفي غير مستقل، وان الفاعل معين أو غير معين مسائل تاثر بها النحو العربي بما أثر في أصول الفقه من اهتمام بدلالة الهيئات والمعاني الحرفية )(4)، وصيغ الافعال ملازمة للنسبة، وإن خلت من الحدث والزمن بدليل ان الافعال الجامدة لا تنصب مفعولاً مطلقاً، لأنها لا مصادر لها، لأنها افادت فائدة الحروف فخرجت عن بابها ومنعت التصرف كليس وعسى وافعال المدح والذم والتعجب، فلما افادت فائدة الحروف جمدت جمودها(1)، والحروف تلازم النسبة، فالافعال لا تفارق النسبة وان سلبت الحدث والزمن، وانها قد تكون لازمة فلا تتعدى نسبتها الفاعل، وقد تكون متعدية فتنسب إلى المفعول به و
    ( الفعل المتعدي انما جيء به للحديث عن الفاعل والمفعول فهو حديث عن الفاعل بأن الفعل صدر عنه، وعن المفعول بأن الفعل وقع به الا أنه حديث عن الفاعل على سبيل اللزوم وعدم الاستغناء، وعن المفعول على سبيل الفضلة، فإذا اريد الاقتصار على المفعول حذف الفاعل، وبقي الفعل حديثاً عن المفعول به لا غير )(2)، لذلك فمهمة النحو ( رصد الصيغ التصريفية الدالة على النسبة والارتباطات بين الذوات والاحداث الصادرة عنها أو الواقعة عليها أو المتلبسة بها كصيغ الافعال والمصادر والصفات المشتقة )(3).
    والمصدر يجري في النسبة إلى فاعل ومفعول مجرى فعله، لأن من الابنية التي تستخدم استخدام الفعل ( المصدر ) وربما فات الاقدمين ان يلحقوا هذه المادة بالفعل، كما فعل الفراء في ( فاعِل ) الذي اطلق عليه ( الدائم )، واذا كنا قد لمحنا الفعلية في أبنية ( فاعِل ) و
    ( مفعول ) و( فَعِيل ) ونحو ذلك جرياً على شئ مما ذهب اليه الكسائي والفراء، فما أحرانا ان نضيف إلى هذه المواد الفعلية المصدر في حدوده التي اشار اليها السابقون من النحويين ان هذه الصيغ، وان جرت مجرى الفعل في النسبة والحدوث، الا أنها تختلف عنه في المبالغة بالحدوث، وفي الاضافة، فاذا بولغ في الفعل تحول إلى صفة ، فإذا ازدادت المبالغة حتى يتحول إلى معنى منسوب إلى الفاعل بالاضافة صار مصدراً، لأن ( المصدر يصح فيه أن يعمل عمل فعله فيرفع الفاعل، وينصب المفعول بشرط أن يقصد فعله من الحدوث والنسبة إلى مخبر عنه )(4)، بالاضافة إلى فاعله أو مفعوله، لأن صيغ المصادر ليست ملازمة للنسبة بخلاف صيغ الافعال. و( الاسناد الاصلي المقصود ما تركب به لذاته ليخرج بالاصلي اسناد المصدر واسمي الفاعل والمفعول والصفة المشبهة والظرف، فإنها مع ما اسندت اليه ليست بكلام واما نحو أقائم الزيدان فلكونه بمنزلة الفعل وبمعناه كما في اسماء الافعال )(1)، لذلك لم يجعلوا المصدر ضمن المشتقات، لأن ( المشتق ما أخذ من لفظ المصدر لدلالته على معنى منسوب اليه )(2).
    قال ابن مالك :
    المصدر اسم ما سوى الزمان من مدلولـي الفـعل كامن من أمن
    أي الحدث المجرد عن الزمن، ولكن هذا الكلام ليس صحيحاً على اطلاقه، لأن المصدر العامل يدل على الزمن، وينسب إلى فاعله ومفعوله وأبواب عمل المصدر واسمه مبثوثة في كتب النحو، لا يكاد يخلو منها أحدها، فكيف نوفق بين ذلك واستعمال المصدر في باب اسماء الافعال اقوى دلالة وأكد في طلب الحدث من الفعل، والحدث لا بد له من محدث أي منسوب اليه.
    وقيل : ( المراد بالمصدر اسم المعنى المنسوب إلى الفاعل أو النائب عنه كالامن والضرب والنخوة، فإنها أسماء المعاني المنسوبة في قولك : أمن زيد وضرب عمرو ونخيت علينا … فإن الفعل وضع للدلالة على الحدث والزمان فقط فما سوى الزمان المعبر عنه بالحدث هو اسم المعنى المنسوب إلى الفاعل أو النائب عنه فاسمه هو المصدر )(3). فدلالة المصدر على الزمن والنسبة إلى فاعل ومفعول تدل على انه من المشتقات وذلك اذا اضيف، لأن ( الاضافة في الاسم كالاسناد في الفعل فكل حكم يجب في إضافة المصدر من حقيقة أو مجاز فهو واجب في إسناد الفعل )(4). وثبوت النسبة للمصدر يجعل تعريف الفعل شاملا للمشتقات كلها، لان صيغ المشتقات تدل على النسبة، واسماء المصادر قد تجري مجرى الافعال اذا قصد بها صيغها فنسبت الى الفعل والمفعول وقد تباينت اقوال ابن هشام فيه لاهتمامه بالعامل دون الاستعمال والنسبة في كتابه شرح شذور الذهب، فقال في الكلام ( الحدث الذي هو التكليم تقول : ( اعجبني كلامك زيداً ) أي تكليمك اياه، واذا استعمل بهذا المعنى عمل عمل الافعال، كما في هذا المثال، كقوله : كلامك هندا وهي مصيغة أي تكليمك هندا فـ ( كلامك ) مبتدأ ومضاف اليه و ( هندا ) مفعول. وقال في المصدر : ( واحترزت بقولي ( الجاري على الفعل ) من اسم المصدر فإنه وإن كان اسماً دالاً على الحدث لكنه لا يجري على الفعل وذلك نحو قولك : ( أعطيت عطاء ) فإن الذي يجري على أعطيت إنما هو إعطاء، لأنه مستوف لحروفه، وكذا ( اغتسلت غسلاً ) بخلاف ( اغتسل اغتسالاً ) وقال في اسم المصدر ( ما اختلف في اعماله، وهو ما كان اسماً لغير الحدث فاستعمل له : ( الكلام ) فإنه في الاصل اسم للملفوظ به من الكلمات، ثم نقل إلى معنى الاثابة، وهذا النوع ذهب الكوفيون والبغداديون إلى جواز اعماله تمسكاً بما ورد من نحو قوله :
    أكمرا بعد رد الموت عني وبعد عطائك المائة الرتـاعـا
    وقوله : لأن ثواب الله كل موحـد جنان من الفردوس فيها يخلد
    ومنع ذلك البصريون، فأضمروا لهذه المنصوبات افعالاً تعمل فيها )1، فقد ذكر أول الامر ان اسم المصدرر يجري مجرى الفعل، ثم قال : إنه لا يجري مجرى الفعل، ولكنه يدل على الحدث فاستعمل له و ذلك لافتقاره إلى منهج يوحد مفرداته فمرة يكون مع البصريين واخرى مع الكوفيين، ولو تنبه إلى الاستعمال ودلالته فيه لوقف موقفاً آخر. إن دلالة الصيغة على النسبة في المشتقات الاسمية منها، والفعلية هي دلالة واحدة ربط الحدث بالذات الا أنها حين توصف بالنسبة التامة مرة وبالنسبة الناقصة مرة اخرى، فذلك من جهة ملاحظة قصد المتكلم في إفهام المخاطب، فإن كان المخاطب في نظره جاهلاً بالنسبة كان قصد المتكلم إفادتها والاخبار عنها ( بالاصالة ) فيقول : ( ضرب زيد ) وان كان المخاطب في نظره عالماً بالنسبة ، فإنه في هذه الحالة يجعل نسبة الضرب إلى زيد توطئة و ( تبعاً ) لإفادة نسبة اخرى هي موضع غرضه من الكلام مثل ان يقول : ( ضرب زيد تأديب، أو ظلم )2، ونسبة المصدر واسمه إلى معموله سبب عمله بدليل المفعول المطلق اذ المراد به نفس الحدث المعرى عن النسبة بالغاء وضع الهيئة، ولذا لا يعمل عمل فعله بالاتفاق، لخلوه من النسبة الموجبة لشبه الفعل، فالمصدر هو الاسم المشتمل على مادة تدل على الحدث وهيئة كاشفة عن انتساب الحدث إلى ذات نسبة تقييدية ناقصة. . وان اسم المصدر هو نفس المادة الدالة على الحدث من دون اعتبار النسبة ولا عدمها.
    أما المشتقات فلها صيغ ذات معان نسبية مختلفة، إلا انها غير مستقلة بذاتها، ولها مواد دالة على ( حدث ) مستقل بنفسه أو قابل للاسناد والنسبة عند عروض الصيغة عليه، وهذا الحدث لا بد له من محدث أي ( ذات ) ينتسب إليها. وهذه الصيغ هي التي تحدد العلاقات بين الحددث والذات وتكون المادة والصيغة دالتين على معنى واحد هو الحدث المنتسب، كما في المصدر، أو تكون المادة والصيغة دالتين على الذات بدون نسبة أو تكونا دالتين على معنى مركب من ذات متصفة بالحدث كاسم الفاعل والمفعول، وتعد دراسة البنية الصرفية في النظم اللغوي مرتكزا مهما وبابا ثابتا ملحظاً إضافياً ثابتاً في مناهج التحليل النحوي الحديث وهذا بعض ما عرفه للعرب مؤرخو علم اللغة، إذ يعدونهم من أول من عني بالعلاقة بين صيغة الكلمة على مستوى الصرف ووظيفتها في التركيب على مستوى النحو، وذلك لأن الصيغة تدل على النسبة الرابطة لاجزاء الجملة، فهناك علاقة وثيقة بين المستويين الصرفي والنحوي واللغة العربية محظوظة جداً بوجود هذه الصيغ الصرفية، لأن هذه الصيغ تصلح لأن تستخدم أداة من ادوات الكشف عن الحدود بين الكلمات في السياق ويشكو معظم لغات العالم من عدم وجود مثل هذا الاساس الذي يمكن به ان تحدد الكلمات فاما اتخاذ الصيغة الصرفية اداة من ادوات خلق الحدود بين الكلمات في السياق فمزية اللغة العربية من كبريات مزاياها التي تفاخر بها، وتساعد الصيغة في الاعم الاغلب على تحديد الباب ايضاً.
    والفصل بالصيغة بين الحدود لا يتم فعلاً الا اذا نسبت وفق اساليب العربية، إذ تتخذ الصيغ داخل التراكيب صوراً متعددة، فقد تنسب إلى الفاعل بالاضافة أو إلى المفعول، وقد تجرد للنسبة بالاسناد، وقد تسلب منها النسبة، فلا تصلح عندئذ للفصل اذا نقلت إلى العلمية أو لم يرد بها النسبة. ان عروض الصيغ المختلفة على المادة الواحدة يزيدها ثراء لغوياً ويضفي عليها المعاني المختلفة، اذا نسبت مما يجعل الكلم اكثر تماسكاً وإبانة عن الدلالات المختلفة.
    والصيغ هيآت يتخذها الحدث لأداء المراد منه، فصيغ الافعال تدل على صدور الحدث من معلوم أو مجهول، فهي منبئة عن حركة الفاعلين والمفعولين بنسبةالحدث إلى من قام به أو اتصف به أو وقع عليه دون تكرار أو مدأومة، فاذا تكرر وعرف به صاحبه، صار صفة له، وذلك في صيغ المشتقات وتصبح قيوداً للذوات، ولكنها لا تشكل مع ما نسبت اليه كلاماً تاماً، واذا بولغ بها اصبحت قيوداً للاحداث بالذوات، وذلك في المصادر ومدلول هذه الصيغ هو ( نسبة ) الحدث إلى فاعله أو مفعوله.
    إن الاحداث اذا صدرت عن فاعل أو وقعت على مفعول أو اتخذت حرفة أو آلة، لا بد لها من هيئة ( صيغة ) تكشف عن معناها، فالصيغة هي الالة الرابطة والكاشفة للمحدث أو المتصف به فاذا نظرنا إلى المعنى بوصفه علاقة بين الصيغة والفكرة حق لنا أن نقول : إن تغير الدلالة من عصر إلى عصر ليس الا ربط الفكرة بصيغة جديدة أو ربط الصيغة بفكرة جديدة.
    إن تغير دلالة الصيغة يكشف عنه بالنسبة اذا تضمنت حدثاً إلى محدث، وذلك في الصفات، وقد لايراد بها النسبة أما صيغ الأفعال، فهي ملازمة للنسبة، لذلك قيل : ( كل لفظة تتركب من بنية ومن حدث، وبتفاعلهما الداخلي يتكون نسيج الكلام )(1)، أي من خلال علاقة الصيغة بالمادة تتولد النسب الرابطة للكلام، ولا شك أنه لو لم يختلف المعنى لم تختلف الصيغة، وتغير الصيغ يؤدي إلى تغير المعنى، وهذا يعني قيمة الصيغة في ايجاد النسبة تبعاً لما تحدثه الصيغ من اختلاف في المعاني، وإن كانت المادة المشتق منها واحدة، لذلك قيل : ( فاما في لغة واحدة فمحال أن يختلف اللفظان والمعنى واحد كما ظن كثير من النحويين واللغويين )(2).
    فالأوزان المختلفة لها معان مختلفة، واختلاف المعاني يقتضي تغير النسبة من أصلية إلى فرعية وبالعكس، فالمبالغة في الفعل تحوله إلى جامد أو صفة أو مصدر، والنسبة في ذلك ليست واحدة، وذلك ( أنك في المبالغة لا بد أن تترك موضعاً إلى موضع، اما لفظاً إلى لفظ، واما جنساً إلى جنس … ولذلك أيضاً اذا اريد بالفعل المبالغة في معناه، أخرج عن معتاد حاله من التصرف فمنعه، وكذلك نعم وبئس وفعل التعجب )(3).
    و( وربما بولغ في الفعل فجاء تارة بالصيغة الاسمية كالمجاهدين والمؤمنين، لأنه للشأن والصفة )(1)، فالمبالغة في الفعل تعني تكرار الحدث من الذات وزيادته حتى يصبح قيداً أو صفة لها، فإذا بولغ في الصفة صارت حدثاً يمكن تقييده بالذات اذا نسب اليها بالاضافة مثل فإنما هي إقبال وإدبار تقول إقبالها وإدبارها يشق عليّ ولا يصح ان نقول أخوك وأبوك يزورني، وهذا يعني ان الفعل حدث مقترن بنسبة لا بزمن، لأنه لم يبالغ بالزمن وانما جاء الزمن من السياق والقرينة، فقد تسلب منه دلالته الزمنية، فيدل على ما يحدث دون قيد بزمن معين، نحو قوله تعالى (( وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وان منها لمايشقق فيخرج منه الماء وان منها لما يهبط من خشية الله – البقرة 74 ))، وقوله (( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء – البقرة 228 ))، وقوله (( والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين - البقرة 233 ))، ويبالغ في الفعل فيأتي وصفاً دالاً على المستقبل، نحو قوله تعالى (( لعلك باخع نفسك الا يكونوا مؤمنين – الشعراء 3 ))، أو تصحبه قرينة تعين زمنه، نحو قوله تعالى (( ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه – آل عمران 9 ))، أو يضاف إلى معموله فيدل على المعنى واضافته محضة، نحو قوله تعالى (( الحمد لله فاطر السموات والارض جاعل الملائكة رسلاً – فاطر 1 ))، وقوله (( إن الله بالغ امره – الطلاق 3 )) ويبالغ في الوصف، فياتي مصدراً مخبراً به، نحو قوله تعالى (( إنه عمل غير صالح – هود 46 )) أو يكون وصفاً أو حالاً، نحو قوله تعالى (( وجاءوا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم انفسكم امراً فصبر جميل – يوسف 18 ))، وقوله (( فاضرب لهم طريقاً في البحر يبساً – طه 77 )) وقوله (( ثم ادعهن يأتينك سعياً – البقرة 260 )).
    أي ساعيات، فجاء المصدر بمعنى الفاعل لغرض المبالغة في الوصف، وذلك بتحويل اسم العين او الذات الى اسم معنى، نحو قوله تعالى (( ثم إرسلنا رسلنا تترا-المؤمنون44 )) مصدر وزنه فعلى ومعناه متواترين واحدا بعد واحد ، وقوله (( يوم يقوم الروح واملائكة صفا –النبأ 38 ))، أي مصطفين، وقوله (( وكانوا قوما بورا- الفرقا18 )) أي بائرين وبمعنى اسم المفعول، نحو قوله تعالى (( ويتخذها هزوا –لقمان6 )) أي مهزوءا بها ، وقوله (( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقاتا –النساء 103 )) يعنى مكتوبا ، أي مفروضا ، وقوله (( تبغونها عوجا – آل عمران99 )) بمعنى معوجة، أي مائلة عن الحق . وتأتي ( فعيل) للدلالة على ثبوت اوصف الذي بمعنى فاعل، نحو قوله تعالى ((فبصرك اليوم حديد- ق )) وبمعنى مفاعل ، نحو قوله تعالى (( القيا في جهنم كل كفار عنيد- ق 4 ))، وقوله (( ولاتكن للخائنين خصيما – النساء 105 )) وبمعنى مفعول، نحو قوله تعالى (( كل نفس بما كسبت رهينة – المدثر38 )) ،كما تأتي (فعول) بمعنى فاعل ،نحو قوله تعالى (( وانزلنا من السماء ماءً طهورا –الفرقان48 )) وهي مبالغةفي طاهر وبمعنى مفعول ،نحو قوله تعالى (( هو الذي جعل لكم الارض ذلولا- الملك 15 )) ، أي مذلولة، فهي كركوب حلوب وتأتي فعّال للنسب الدال على الثبوت، نحو قوله تعالى (( وما انا بظلام للعبيد- ق 9 )) بمعنى ذي ظلم لقوله (( لاظلم اليوم – غافر 17 )).
    المبحـث الثالـث
    الحروف
    وهي أدوات لإيجاد المعاني في غيرها تربط اجزاء الجملة بعضها ببعض، وقد نسبت العرب بالحروف فاستخدمت ( الياء ) في النسب، كما استخدمت الصيغة في النسب كذلك،
    وإنما سمي حرفاً، لأن الحرف في اللغة : الطرف ، وهو في الطرف، أي في جانب مقابل الاسم والفعل حيث يقعان عمدة في الكلام ، وهو لا يقع عمدة، أي لا يقع منسوباً ولا منسوباً اليه، لأنه غير مستقل بذاته بخلاف الاسم والفعل، وهو ( كلمة دلت على معنى في غيرها )(1)، أو تعلق لفظاً بآخر وتربطه به، وهي حروف الجر والعطف والاستفهام والنداء والاستثناء.
    والمعاني التي ذكرت للحروف مستقلة اما الحروف فمعانيها غير مستقلة، لذلك كانت ادوات رابطة تسهم في التأليف وتماسك السياق مع الضمائر المطابقة وتفيد التوضيح والتخصيص في التوابع.
    ونسبة الحروف ليست اصلية كالاسمية والفعلية، لأنها لا تستقل مع مدخولاتها بكلام مفيد، الا في النداء وهو ايضاً لا يوقف عليه، لأن المدعو بحاجة إلى توضيح أو تخصيص وبيان لما دعي اليه، فناسب ان تاتي جملة الدعاء بهذا التركيب بدليل حاجتها الى جواب، فنسبته فرعية متممة للنسبة الاصلية، كما في حروف الجر والعطف والاستفهام والشرط، اما الجر ( فمختص بالاسماء، لأن كل مجرور مخبر عنه في المعنى، ولا يخبر الا عن الاسم، فلا يجر الا الاسم كزيد وعمرو في قولك : مررت بزيد ونظرت إلى عمرو )(2).
    والاخبار نسبة، لأنه حديث يتضمن معنى غير مستقل بالاسناد، وصلة وإضافة، فالحروف تؤلف بين المعاني المتباينة، لتؤدي معنى واحدا، كما جيء بها اختصاراً وإيجازاً، لأنها جاءت نائبة عن الافعال التي هي بمعناها ( فالباء نابت عن الصق والكاف نابت عن اشبه، ذوكذل

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة أبريل 19, 2024 2:34 am