ARBTECH

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى اللغة العربية للكلية التقنية بجدة


    (من بلاغة الاحتراس في البيان النبوي) دراسة في صحيح البخاري

    avatar
    ????
    زائر


    (من بلاغة الاحتراس في البيان النبوي) دراسة في صحيح البخاري Empty (من بلاغة الاحتراس في البيان النبوي) دراسة في صحيح البخاري

    مُساهمة  ???? الأربعاء ديسمبر 30, 2009 11:01 am

    بلاغة الاحتراس في مقامات متنوعة.
    1- في مقام النهي عن تمني الموت.
    روى البخاري قال: "حدثنا آدم، حدثنا شعبة، حدثنا ثابت البناني، عن أنس بن مالك – رضي الله عنه- قال: قال النبي e: "لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه، فإن كان لابد فاعلا، فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفقني إذا كانت الوفاة خيرا لي". ([1])

    هذا الحديث مكون من شقين: الأول منهما، يؤكد فيه النبي e النهي عن تمني الموت بسبب ضر أصاب المسلم من مرض، أو فاقة، أو محنة من عدو، أو نحو ذلك من مشاق الدنيا.. والثاني: يعلمنا فيه الرسول e المنهج الأمثل، والقول الحق، إذا ضاقت بنا السبل، ولم يكن إلا تمني الموت هو الأمل للخلاص من الضر، فيرشدنا إلى الطريقة المثلى والتي عن طريقها يفوض المسلم أمر موته وحياته إلى علم الله – عز وجل- وإرادته.
    وفي الشق الأول من الحديث: (لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه) احترس الرسول eبقوله: (من ضر أصابه)؛ ذلك أن تمني الموت للشهادة في سبيل الله، أو خشيه أن يفتن المسلم في دينه، غير داخل في حيز الموت المنهي عنه؛ بل هو من المرغب فيه، وقد فعله خلائق من السلف. ([2])
    وإنما الموت المنهي عنه هو ما يكون بسبب ضر أصاب المسلم من مرض، أو محنة، أو غير ذلك من الضر الدنيوي. وإنما كان النهي عن ذلك؛ لما فيه من جزع في البلاء، وعدم الرضا بقضاء الله، والمؤمن الحق هو الذي يستسلم لقضاء الله وقدره؛ لأنه لا يدرك حقيقة ما فيه من ضر أو بلاء، فقد يكون في ظاهره الشر؛ لكن في باطنه الرحمة، وصدق الله العظيم: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ). ([3])
    وفي الشق الثاني من الحديث يرشدنا الرسول eإلى الطريقة المثلى التي يفوض المسلم من خلالها أمر موته وحياته إلى الله إذا كان لابد من تمني الموت، ولم يصبر على البلاء، فقال: (فإن كان لا بد فاعلا فليقل.... الخ)، "وهذا يدل على أن تمني الموت مقيد بما إذا لم يكن على هذه الصيغة؛ لأن في التمني المطلق نوع اعتراض ومراغمة للقدر المحتوم، وفي هذه الصورة المأمور بها نوع تفويض وتسليم للقضاء". ([4])
    وفي قوله: (اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي)، نلحظ أنه عبر بـ (ما) المصدرية في جانب الحياة (ما كانت الحياة)؛ لأنها حاصلة، فحسن أن يأتي بالصيغة المقتضية للاتصاف بالحياة، ولما كانت الوفاة معدومة، ولم تقع بعد، حسن أن يأتي بصيغة الشرط التي أداتها (إذا) الدالة على التحقيق؛ لأن الوفاة أمر محقق لا مرية فيه، وفي حال مجيئها تنقطع الحياة. ([5])
    2- في مقام الدعاء للمريض.
    روى البخاري قال: "حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا أبو عوانة، عن منصور، عن إبراهيم، عن مسروق، عن عائشة – رضي الله عنها- أن رسول الله e كان إذا أتى مريضا، أو أتى به قال: أذهب الباس رب الناس، اشف وأنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما". ([6])

    من رحمة الرسول e وعظيم أدبه، أنه إذا أتى مريضا، أو أتي به إليه، كان يدعو له بالشفاء المطلق، وهذا أدب نبوي رفيع، أراد أن يكون بين المسلمين، رحمة بالمريض، وطلبا للشفاء.
    ولما كان قوله e: (اشف وأنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك) قد يوهم أنه قد يحصل الشفاء من ذلك المرض، فيخلفه مرض آخر يتولد منه لعدم البرء التام؛ احترس بقوله: (شفاء لا يغادر سقما) دفعا لهذا التوهم، وإشارة إلى أنه eكان يدعو للمريض بالشفاء المطلق، لا بمطلق شفاء. ([7])
    ولهذا نكر e قوله: (شفاء) أي: شفاء عظيما نافعا بلغ نفعه حدا لا مطمح وراءه .. وتنكير قوله: (سقما) يفيد العموم والشمول، فيدخل فيه كل سقم علمه البشر أو لم يعلموه، وكل ما يطرأ من أسقام إلى يوم القيامة داخل تحت هذا اللفظ، ومرفوع ببركة هذا الدعاء إن شاء الله.



    ([1]) صحيح البخاري ح/5671 كتاب: المرضى. باب: تمني المريض الموت 4/46.

    ([2]) ينظر: فتح الباري 10/133، وشرح النووي على صحيح مسلم 17/11.

    ([3]) البقرة /216.

    ([4]) فتح الباري 10/133.

    ([5]) السابق والصفحة.

    ([6]) صحيح البخاري ح/5675 كتاب: المرضى، باب: دعاء العائد للمريض 4/47 والحديث سبق التعرض له بالدراسة والتحليل ص/ من البحث.

    ([7]) ينظر: شرح الكرماني 20/201، وفتح الباري 10/137.

      الوقت/التاريخ الآن هو الثلاثاء أكتوبر 15, 2024 7:04 am