تقلصت فكرة الكثيرين عن اللغة حتى أصبحت مجرد قواعد في النحو والصرف، يعجز مدرس المرحلة الابتدائية – في الغالب - عن تدريسها للتلاميذ..
وتقلص الاهتمام باللغة حتى أضحى مجرد شعارات ، لا تجد لها صدى في أرض الواقع سوى في برامج إذاعية لا يسمعها أحد، وبرامج تليفزيونية لا يجيد مقدموها ناصية اللغة !!
ورغم أننا نسارع إلى الاحتفال بكل الأعياد، من عيد "الفالنتين" إلى مولد "أبو حصيرة"(1) إلى ذكرى الأميرة ديانا.. فإننا تجاهلنا الاحتفال بيوم 21 فبراير الذي اختارته منظمة اليونسكو ليكون "عيد اللغة".. حتى الجانب الاحتفالي لم تحظَ به لغتنا العربية!!
وقد أصدرت سلسلة "عالم المعرفة" الكويتية كتاباً هاماً يستحق أن يُقرأ على مستوى واسع وعميق ، وهو كتاب "الثقافة العربية وعصر المعلومات.. رؤية لمستقبل الخطاب الثقافي العربي"(2) للدكتور "نبيل علي" وهو بمثابة الجزء الثاني والمكمل لكتابه "العرب وعصر المعلومات"(3).
والكتاب يستحق القراءة التفصيلية إلا أننا سنكتفي هنا بقراءة سريعة لإشكالية "قضية اللغة العربية" كما تناولها الكاتب..
يؤكد الدكتور "نبيل علي" محورية الثقافة بالنسبة للمنظومة المجتمعية في عصر المعلومات، ويؤكد كذلك محورية اللغة بالنسبة للمنظومة الثقافية نفسها، اللغة كوعاء للمعرفة ووسيط لتنميتها وتوصيلها، فاللغة إذن هي الشاغل الأول، والشأن الأهم في عصر المعلومات.
ويشير إلى بعض مزايا اللغة العربية كلغة من فئة عليا Superset حيث تتميز بخصائص كثيرة تؤهلها؛ لتكون لغة عالمية مثل التزامها بالقاعدة الذهبية فيما يخص التوسط والتوازن اللغوي، فاللغة العربية تجمع بين كثير من خصائص اللغات الأخرى على مستوى جميع فروعها اللغوية: كتابة وأصواتاً وصرفاً ونحواً ومعجماً، وتتسم بتوازن دقيق وتآخ محسوب بين فروع اللغة المختلفة.
وعلى المستوى التكنولوجي ثبت أنه يمكن تطويع "النماذج البرمجية المصممة للغة العربية لتلبية مطالب اللغات الأخرى وعلى رأسها اللغة الإنجليزية".
والمزايا العديدة التي تتمتع بها اللغة العربية والتي تؤهلها لتفاعل إيجابي خلاق مع عصر المعلومات وتقنياته المختلفة؛ تجعلنا في موضع اتهام لضياع لغتنا واستعجامها حتى على أهلها.. فالجهود التي تبذل لخدمة اللغة العربية قليلة ومتناثرة، وأغلبها لا يتفاعل مع مستجدات العصر.. كما أنه لا توجد فلسفة عربية حقيقية تضع اللغة العربية في مكانها الذي تستحقه في منظومة الثقافة والمنظومة المجتمعية.. حتى أصبحت لغتنا سجينة قاعات الدرس، مقيدة بأغلال الإهمال، وأصبح أهلها أنفسهم يظنونها لغة غير جديرة بالعصر (على سبيل المثال يرفض الكثيرون تعريب العلوم برغم نجاح تجربة سوريا في هذا الصدد).
وفى الوقت الذي تدور فيه حرب لغوية طاحنة -تعتبر الإنترنت أظهر ساحاتها- بين اللغات التي تحاول فرض هيمنتها، نلاحظ أن اللغة الإنجليزية تفوز بنصيب الأسد حتى الآن.. ويورد الكاتب بعض الأرقام التي تؤكد هذه الحقيقة على مستوى العالم:
[65% من برامج الإذاعة و70% من الأفلام الناطقة و90% من الوثائق المخزنة على الإنترنت و85% من المكالمات الهاتفية الدولية] باللغة الإنجليزية.
إن هذه الأرقام أعطت شعوراً عاماً بأن اللغة الإنجليزية هي اللغة الوحيدة القادرة على أن تكون لغة العلم والتكنولوجيا والثقافة والحوار بين كل دول العالم.. وفى وطننا العربي هناك شبه يقين أن ذلك يرجع لقدرة خاصة كامنة في اللغة الإنجليزية.
لكن الحقيقة أن المنتمين إلى اللغة الإنجليزية -والأمريكان بالذات- يعلمون أهمية أن ينتصروا في الصراع اللغوي العالمي، لأنه صراع سياسي اقتصادي أيضاً؛ لأن اللغة التي ستنتصر هي التي ستفرض ثقافتها واقتصادها، وتكون لها الكلمة العليا في معترك السياسة الدولية؛ لذلك يحرصون على دراسة لغتهم وتعليمها ونشرها بكل السبل الممكنة، فانتشار اللغة الإنجليزية يرجع إلى مثابرة أهلها وحرصهم عليها أكثر من كون ذلك لميزة تميزها عن اللغة العربية مثلاً.
لذا، فـ "الصحوة اللغوية" بداية حقيقية وضرورية لنلحق بالسباق قبل أن ننقرض على مستويات عدة تبدأ بالانقراض اللغوي من خلال ما أسماه المؤلف بـ "الدارونية اللغوية".
والأمر هنا يحتاج إلى جهود كبيرة ومخلصة على مستوى كل الحكومات والشعوب الناطقة باللغة العربية، فلم يعد الجهد الفردي أو جهد دولة واحدة يكفي.. إننا بحاجة إلى مؤتمر قومي يعرف للغة قيمتها، ويعطيها مكانتها، وينقذها من الضياع، وذلك بالدراسات الجادة المتعمقة في اللغة ذاتها، واللغة في علاقاتها المختلفة بالعلوم والتكنولوجيا والفنون والتربية والمجتمع، وبوضع سياسات واقعية قابلة للتنفيذ، والعمل على تحقيقها..
فهل حان الأوان لنتفق "لغوياً" بعد أن فشلنا في الاتفاق سياسياً واقتصادياً؟!.
وتقلص الاهتمام باللغة حتى أضحى مجرد شعارات ، لا تجد لها صدى في أرض الواقع سوى في برامج إذاعية لا يسمعها أحد، وبرامج تليفزيونية لا يجيد مقدموها ناصية اللغة !!
ورغم أننا نسارع إلى الاحتفال بكل الأعياد، من عيد "الفالنتين" إلى مولد "أبو حصيرة"(1) إلى ذكرى الأميرة ديانا.. فإننا تجاهلنا الاحتفال بيوم 21 فبراير الذي اختارته منظمة اليونسكو ليكون "عيد اللغة".. حتى الجانب الاحتفالي لم تحظَ به لغتنا العربية!!
وقد أصدرت سلسلة "عالم المعرفة" الكويتية كتاباً هاماً يستحق أن يُقرأ على مستوى واسع وعميق ، وهو كتاب "الثقافة العربية وعصر المعلومات.. رؤية لمستقبل الخطاب الثقافي العربي"(2) للدكتور "نبيل علي" وهو بمثابة الجزء الثاني والمكمل لكتابه "العرب وعصر المعلومات"(3).
والكتاب يستحق القراءة التفصيلية إلا أننا سنكتفي هنا بقراءة سريعة لإشكالية "قضية اللغة العربية" كما تناولها الكاتب..
يؤكد الدكتور "نبيل علي" محورية الثقافة بالنسبة للمنظومة المجتمعية في عصر المعلومات، ويؤكد كذلك محورية اللغة بالنسبة للمنظومة الثقافية نفسها، اللغة كوعاء للمعرفة ووسيط لتنميتها وتوصيلها، فاللغة إذن هي الشاغل الأول، والشأن الأهم في عصر المعلومات.
ويشير إلى بعض مزايا اللغة العربية كلغة من فئة عليا Superset حيث تتميز بخصائص كثيرة تؤهلها؛ لتكون لغة عالمية مثل التزامها بالقاعدة الذهبية فيما يخص التوسط والتوازن اللغوي، فاللغة العربية تجمع بين كثير من خصائص اللغات الأخرى على مستوى جميع فروعها اللغوية: كتابة وأصواتاً وصرفاً ونحواً ومعجماً، وتتسم بتوازن دقيق وتآخ محسوب بين فروع اللغة المختلفة.
وعلى المستوى التكنولوجي ثبت أنه يمكن تطويع "النماذج البرمجية المصممة للغة العربية لتلبية مطالب اللغات الأخرى وعلى رأسها اللغة الإنجليزية".
والمزايا العديدة التي تتمتع بها اللغة العربية والتي تؤهلها لتفاعل إيجابي خلاق مع عصر المعلومات وتقنياته المختلفة؛ تجعلنا في موضع اتهام لضياع لغتنا واستعجامها حتى على أهلها.. فالجهود التي تبذل لخدمة اللغة العربية قليلة ومتناثرة، وأغلبها لا يتفاعل مع مستجدات العصر.. كما أنه لا توجد فلسفة عربية حقيقية تضع اللغة العربية في مكانها الذي تستحقه في منظومة الثقافة والمنظومة المجتمعية.. حتى أصبحت لغتنا سجينة قاعات الدرس، مقيدة بأغلال الإهمال، وأصبح أهلها أنفسهم يظنونها لغة غير جديرة بالعصر (على سبيل المثال يرفض الكثيرون تعريب العلوم برغم نجاح تجربة سوريا في هذا الصدد).
وفى الوقت الذي تدور فيه حرب لغوية طاحنة -تعتبر الإنترنت أظهر ساحاتها- بين اللغات التي تحاول فرض هيمنتها، نلاحظ أن اللغة الإنجليزية تفوز بنصيب الأسد حتى الآن.. ويورد الكاتب بعض الأرقام التي تؤكد هذه الحقيقة على مستوى العالم:
[65% من برامج الإذاعة و70% من الأفلام الناطقة و90% من الوثائق المخزنة على الإنترنت و85% من المكالمات الهاتفية الدولية] باللغة الإنجليزية.
إن هذه الأرقام أعطت شعوراً عاماً بأن اللغة الإنجليزية هي اللغة الوحيدة القادرة على أن تكون لغة العلم والتكنولوجيا والثقافة والحوار بين كل دول العالم.. وفى وطننا العربي هناك شبه يقين أن ذلك يرجع لقدرة خاصة كامنة في اللغة الإنجليزية.
لكن الحقيقة أن المنتمين إلى اللغة الإنجليزية -والأمريكان بالذات- يعلمون أهمية أن ينتصروا في الصراع اللغوي العالمي، لأنه صراع سياسي اقتصادي أيضاً؛ لأن اللغة التي ستنتصر هي التي ستفرض ثقافتها واقتصادها، وتكون لها الكلمة العليا في معترك السياسة الدولية؛ لذلك يحرصون على دراسة لغتهم وتعليمها ونشرها بكل السبل الممكنة، فانتشار اللغة الإنجليزية يرجع إلى مثابرة أهلها وحرصهم عليها أكثر من كون ذلك لميزة تميزها عن اللغة العربية مثلاً.
لذا، فـ "الصحوة اللغوية" بداية حقيقية وضرورية لنلحق بالسباق قبل أن ننقرض على مستويات عدة تبدأ بالانقراض اللغوي من خلال ما أسماه المؤلف بـ "الدارونية اللغوية".
والأمر هنا يحتاج إلى جهود كبيرة ومخلصة على مستوى كل الحكومات والشعوب الناطقة باللغة العربية، فلم يعد الجهد الفردي أو جهد دولة واحدة يكفي.. إننا بحاجة إلى مؤتمر قومي يعرف للغة قيمتها، ويعطيها مكانتها، وينقذها من الضياع، وذلك بالدراسات الجادة المتعمقة في اللغة ذاتها، واللغة في علاقاتها المختلفة بالعلوم والتكنولوجيا والفنون والتربية والمجتمع، وبوضع سياسات واقعية قابلة للتنفيذ، والعمل على تحقيقها..
فهل حان الأوان لنتفق "لغوياً" بعد أن فشلنا في الاتفاق سياسياً واقتصادياً؟!.