أولاً مَفهوم الجَرِّ :
الجَرُّ في اللغةِ ، يعني تَحريكَ آخِرِ الاسمِ بالكَسْرِ .
أما في الاصطلاح النحويِّ ، فَيُقْصَدُ به : إيصالُ معنى الفعلِ أو ما هو في معناه : المصدرِ واسمِ الفاعلِ ومبالغاتِه ، واسمِ المفعولِ والصفةِ المُشَبَهَةِ إلى الاسمِ ، بواسطةِ حُروفِ الجَرِ . وذلك بِسَبَبِ قُصورِ وصولِ معنى الفِعلِ ـ أحياناً ـ إلى الاسم دُونَ وَسَاطَةٍِ .
ففي قولنا : سُقْتُ السَّيارَةَ ، فقد وصَلَ معنى الفعلِ ـ المتعدي ـ إلى الاسمِ ـ المفعولِ به ـ دونَ وساطةٍ .
أما في قولنا : جَلَسْتُ في السيارةِ ، فإن معنى الفعلِ ـ اللازم ـ لا يُمْكِنُ أن يَصِلَ إلى الاسمِ بِدونِ وساطةِ حرفِ الجرِّ (في) ـ وهذا هو القصدُ من مفهومِ الجَرِّ : وهو إيصالُ معنى الفعلِ إلى الاسمِ ، عن طريقِ حروفِ الجَرِّ .
والجَرُّ يَتَضَمَنُ موضوعين : الأولُ المجرورُ بحروف الجرِّ ، والثاني : المجرورُ بالإضافَةِ .
ثانياً : المجرورُ بحروفِ الجَرِّ :
حروفُ الجَرِّ هي : الباء ، من ، إلى ، عن ، على ، في ، اللام ، رُبَّ ، حتى . مُذْ ومُنْذُ . وتاءُ القَسَمِ وواوُهُ ، وخلا وحاشا وعدا .
وفيما يلي معني كلٍّ من هذهِ الحروفِ :
أ) الباء ، ومن معانيها .
الإلصاقُ ، الالتصاقُ الحقيقيِّ ، مثل : أَمْسَكْتُ بِيَدِكَ .
الإلصاقُ المجازيُّ . مثل : مَرَرتُ بدارِكَ .
الاستعانَةُ والوساطَةُ : أكلتُ بالمِلْعَقَةِ ، وكَتَبْتُ بالقَلَمِ .
السَّبَبُ أو التعليلُ : بِلُطْفِكِ أَحَبّكَ الناسُ .
العِوَضُ أو المقابَلَةُ : وتعني تعويضَ شيءٍ بشيءٍ آخَرَ ، مثل : خذْ السيارةَ بالحصانِ
البَدَلُ : ويعني اختيارَ أَحَدِ الشيئين على الآخَرِ بلا عِوَضٍ أو مُقابَلَةٍ ، مثل : ما سَرَّهُ أنَّهُ أكْرَمَ الابنَ بالأبِ .
التّعْدِيَةُ : أي تحويلُ الفِعلِ اللازمِ إلى مُتَعَدٍ ، مثل : ذَهَبَ المنْظَرَ بِعَقلِهِ = أذْهَبَهُ .
ومثل قَولِهِ تعالى " سُبحانَ الذي أسرى بِعَبِدِهِ ليلاً من المَسْجِدِ الحَرامِ إلى المَسْجِدِ الأقصى " .
الظّرفيةُ ـ بمعنى في ـ زُرْتَ المدينةَ بالليلِ .
المصاحبةُ . مثل : اذْهَبْ بِسلامٍ = مَصحوباً بالسّلامِ .
القَسَمُ . مثل : أُقْسِمُ باللهِ .
التوكيدُ وهي الزائدة لفظاً في الإعراب . مثل : بِحَسْبِكَ ما فَعَلْتَ = يَكفيكَ ما فَعَلْتَ.
ومثل : كفى باللهِ شَهيداً = كفى اللهُ شهيداً .
ب) تاءُ القَسَم ، وواوُ القَسَمِ .
تَخْتَصُّ تَاءُ القَسَمِ بثلاثِ كلماتٍ هي : تاللهِ ، وَتَرَبِّ الكَعْبَةِ ، وَتَرَبّي.
أما الواوُ ، فتدخُلُ على مُقْسَمٍ بهِ ظاهرٍ . مثل : واللهِ ، وَحياتِكَ ، وَحَقِّكُمْ .
الكاف
ومعناها التشبيهُ ، مثل : هَبّ المتسابقُ كالرِّيحِ .
وقد تأتي بمعنى( على) . مثل : كُنْ كَما أًنتَ = كُنْ ثابتاً على ما أنتَ عليه .
وتأتي للتعليل . مثل قولِهِ تعالى " واذكروهُ كما هَداكُم " .. أي بسبب هدايته لكم .
ومثل قولِنا اشْكُرْ أباكَ كما رَبَّاكَ .
وتأتي بمعنى ( مثل ) ، كقولِهِ تعالى على لسانِ عيسى بنِ مريمَ عليهِ السلامُ :
" وأَني أَخْلِقُ لكم من الطينِ كهيئةِ الطَّيْرِ " أي مِثْلَ هيئةِ الطيرِ .
وتأتي للتوكيد ، وهي الزائدةُ . مثلُ قولِهِ تعالى " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ " = لَيْسَ مِثْلَهُ شَيءٌ .
وأول معانيها الاختصاص : مِثل : المُلكُ للهِ . والدارُ لي والسَّرْجُ للفرسِ .
التعليلُ : مثل : سافرتُ للعلاجِ .
انتهاءُ الغايةِ : مثل : عُدْتُ لداري .
العاقِبَةُ والمآلُ والمصيرُ : مثلُ قولِ أبي العلاءِ المعريّ :
لدوا للموتِ وابنوا للخرابِ فَكُلّكُمُ يَصيرُ إلىتباب ........ ( والتباب الدمارُ )
توالدوا ليكون مصير أولادكم الموت وابنوا ليكون مصير ما تبنون الخراب .
الظّرْفِيَةُ : مثل ، كانَ ميلادُ الطفلِ لثلاثةٍ من شُباطَ أي في الثالث ، ومثل: صوموا لِرُؤُيَتِهِ ـ الهلال ـ عند رؤيته.
الاستغاثَةُ : وهي اللامُ المفتوحةُ . مثل يا لَلمحسنين .
التَعَجُّبُ ، وهي اللامُ المفتوحةُ . مثل : يا لَلروعةِ !
عن
ومعناها الأصليُّ المجاوزةُ والبُعْدُ . مثل اغتربتُ عن الوطَنِ .
ومن معانيها : البَدَليّةُ . مثل : أَجِبْ عَنيّ . ومثل لا يُجزى والدُ عن ولَدِهِ .
وتأتي بمعنى ( بعد) . مثل عما قليلٍ ستعرفون النتيجةَ ( عن + ما).
وتأتي بمعنى ( من ) مثل : " وهو الذي يَقْبَلُ التّوبةَ عن عِبادِهِ " .
وتأتي للتعليل : مثل قولِهِ تعالى " ما نَحْنُ بتاركي الهتِنا عن قَولِكَ " ، أي من أجل قولكَ أو بسبَبِهِ .
و . في
ومن معانيها :
الظرفيةُ الحقيقيةُ . مثل : أُقيمُ في الصّيفِ في صَوْفَرَ.
الظرفيةُ المجازيةُ : مثل : " وَلَكُمْ في رسولِ الله أسوةٌ حَسَنَةٌ " .
الاستعلاءُُ ـ بمعنى ( على ) . مِثْلُ قولِهِ تعالى " لأُصَلِّبَنَّكُم في جذوعِ النَّخْلٍِ " .
التعليلُ . مثل : دَخَلَ اَحَدُهُم السِّجْنَ في سَرِقَةٍ .
معنى ( مع ) . مثل : " ادخلوا في أُممٍ خَلَتْ " .
المقايَسَةً أو النِسْبَةَ . مثل قولِهِ تعالى " فما مَتاعُ الدُّنيا في الآخِرَةِ إلا قَليلُ " أي بالنسبة أو بالقياس للآخرةِ.
مذ ومنذ
تكونان حرفي جرٍ ، تُفيدان ابتداءَ الغايةِ ، ولا تأتيانِ إلا بعد فعل ماضٍ منفيٍّ ، مثل : لم أرَهُ مَذْ ، مُنْذُ
أُسبوعٍ .
وتكونان بمعنى ( في ) ، إن كانَ الزمانُ حاضِراً . مثل : ما سَمِعْتُ صَوْتَكَ مُذْ ، مُنْذُ يوميَ هذا . ما رأيتكُ مُذْ
، مُنْذُ ساعةٍ .
ح. من
أول معانيها ابتداءُ الغايةِ الزمانيةِ أو المكانيةِ . مثل : اَعَمَلُ من الساعةِ السابعةِ إلى الرابِعَةِ . ومثل : عُدْتُ من العَمَلِ إلى البيتَِ .
ومن معانيها التبعيضُ ـ بمعنى بَعْض ـ ، مثل : مِنْكُمْ مَنْ رَبِحَ ، ومنكم مَنْ لم يَرْبَحْ .
وبيانُ جِنْسِ ما قَبْلِها . مثل : ما عندكَ من صَدَقَةٍ ، فابْسُطْها للناسِ .
والبَدَلِيَّةُ . مثل : لن يُفيدك الكذبُ من الصدقِ شيئاً .
والتعليل . مثل : مِنْ تَهَوُّرِكَ خَسِرْتَ .
التوكيد . وهي الزائدة في الإعرابِ ، مثل : ما غابَ مِنْ أَحَدٍ .
إلى :
من معانيها :
انتهاءُ الغايةِ الزمانيةِ أو المكانيةِ . مثل : سَهِرتُ إلى الفَجْرِ , ومثل : مَشَيْتُ إلى المدينةِ الرياضيةِ .
مُرادِفَةُ ( مع ) . في الدلالة على المصاحَبَةِ . مثل : الدينارُ إلى الدينارِ ثَرْوَةٌ .
مرادفةُ (عن ) مثل : القِصَّةُ أحبُّ إليَّ من الروايةِ .
ي. رُبَّ
ومعناها التكثيرُ أو التقليلُ ، وذلك وِفْقَ قَرائِنَ ودلائلَ استعمالها . مثل : رُبَّ أخٍ لَكَ لم تَلِدْهُ أمُّكَ ، ورُبَّ غاشٍ رابحٌ .
على
ومعناها العامُ الاستعلاءُ ( العُلُوُّ ) حقيقةً مثل : المُسَجّلُ على الطاولَةِ .
أو مجازاً ، مثل : لَكَ عليَّ أفضالٌ . لكَ على الناسِ أفضالٌ .
وتأتي للتعليل : احتَرمْتُهُ على مساعدتِهِ لي .
وبمعنى ( في) : رَجَعَ على حينِ غَفْلَةٍ .
وبمعنى ( مع ) : أُحِبُّهُ على كَذِبِهِ .
وبمعنى ( مِنْ ) مثل قوله تعالى " إذا اكتالو على الناسِ يستوفون " .
وبمعنى ( الباء ) : حقيقُ عليَّ (بي) أنْ أقولَ الحقَّ .
وتأتي للاستدراكِ بمعنى ( لَكِنْ ) : التاجِرُ خَسِرَ كُلَّ رأسِ مالِهِ ، على أنًّهُ لم ييأسْ .
وهي في هذه الحالة لا تَسْتَحِقُ إلى ما تَتَعَلَّقُ بِهِ .
وبمعنى ( عن ) : إذا رَضِيَ عليكَ صاحبُ العَمَلِ ، فلا تُخَيِّبْ ظَنَّهُ .
الاستعانةُ : مثل : اركبْ على اسمِ اللهِ = مُستعيناً بِهِ .
ل. خلا وعدا وحاشا
وهي حروفُ جَرٍ شبيهةُ بالزائدةِ ، أي أنها لا تحتاجُ إلى مُتَعَلِّقٍ ، ويكونْ الاسم بعدها مَجروراً لفظاً ، منصوباً مَحَلاً على أنّهُ مُستثنى .
نقول : أُحِبُّ المسرحياتِ خلا الهابطةِ .
أستَمِعُ إلى الأغنياتِ عدا التافِهَةِ .
أقرأُ الصُّحُفَ حاشا الصفراءِ
تَعَلُّقٌ الجارِ والمجرورِ :
يُفيدُ الجارُ والمجرورُ ـ وهما يسميان شبهَ جُمْلَةٍ ـ في الكلامِ إتمامَ معنى الجملة ، بما يضيفانه من معانٍ جديدةٍ للفعلِ أو ما يشبهُ الفعلَ في الجملة . وتتمثَلُ هذه الإضافةُ ، في تحديدِ زمانِ الفِعْلِ أو مكانِه أو سَبَبِهِ أو وسيلتِهِ أو غيرِها من المعاني الإضافيةِ التي تستفادُ من الجارِ والمجرورِ في الجملةِ ، وربطُ هذه المعاني الجديدةِ بالفعلِ أو ما يُشْبِهُ الفعلَ من مصدرٍ أو اسمِ فاعلٍ أو صفةٍ مُشَبَهَةٍ أو اسمِ مفعولٍ أو ما يدلُ على معنى الصفةِ ، وذلك من أجلِ بيانِ العلاقة بين الجار والمجرور وبين الفعلِ أو ما يُشبههُ . وهذا هو المقصودُ بِتَعَلِّقِ الجارِ والمجرورِ وارتباط معناه بمعنى الفعل ـ أو ما يُشبهُ الفِعل ـ السابق له في الكلامِ .
فمثال ارتباط الجار والمجرور بالفعل . رسمتُ اللوحةَ بالألوانِ المائيةِ.
حيثُ تعلقَّ الجارُ والمجرورِ وارتبطَ معناهما ـ بالألوانِ ـ بالفعلِ ( رَسَمَ ) وفي مثل قولِنا رَسْمُ اللوحةِ بالألوانِ الزيتيةِ أفضلُ . حيث ارتبطَ الجار والمجرورُ ـ بالألوان ـ بالمصدر ( رَسْمُ ) .
وفي قولنا : أنا راسمُ اللوحةِ بالألوان. ارتبط الجار والمجرور باسم الفاعل (راسم ).
وفي قولنا : اللوحةُ مرسومةٌ بالألوانِ . ارتبط الجار والمجرور باسم المفعول ( مرسوم ) .
وفي قولنا : أفٍ للصداع . ارتبطَ الجارُّ والمجرور ( للصداع) باسمِ الفِعْلِ ( أُفٍ ) .
وفي حالةِ كونِ ما يتعلقُ به الجارُ والمجرور كوناً عاماً ـ كائن ، موجود ، مُستقرـ فإنه يحذفُ وجوباً ، ولا يجوزُ ذِكْرُهُ . مثل : أخوك في الدارِ ، والعصفورُ في القفصِ ، والقمرُ في السماءِ ، فَمَتعَلَّقُ حروفِ الجرِّ في هذه الجملِ وتقديره : أخوكَ ـ موجودٌ ـ في الدارِ ، والعصفورُ مُسْتَقرٌ ـ في القفصِ ، والقَمَرُ ـ كائِنٌ ـ في السماءِ . يكون في مثل هذه الحالاتِ محذوفاً لفظاً ومقدراً في الذهنِ
وحروف الجرِّ من حيثُ حاجَتُها إلى التَّعَلُقِ ثَلاثةُ أنواعٍ :
1. حَرْفُ جرٍ أصليٌّ ، ويتوقف عليه فهم المعنى ، وهو المحتاج إلى متعلق .
2. حرفُ جَرٍ زائدٌ ، عمله التوكيدُ ، ويتوقف عليه فَهْمُ المعنى ، وهو غيرُ مُحتاجٍ إلى مُتَعَلقٍ مثل : ما جاءَ من أحدٍ = ما جاءَ أحدٌ .
3. حرفُ جرٍ شبيهٌ بالزائد : وهو ما لا يُمكنُ الاستغناءُ عنه لفظاً ولا معنى وهو غيرُ محتاجٍ إلى متعلقٍ .
وهذه الحروف هي : رُبَّ وخلا وعدا وحاشا
والاسمُ بعد رُبَّ مجرورٌ لفظاً بِرُبَّ نَفْسِها ، المذكورةِ ، أو المقدرةِ بعد الواو ,والتي تسمى واو رُبّ ، وهو في الحالتين إما أن يكون في محل رفع على الابتداء أو في محل نصب على أنه مفعول به .
فالأول مثل : رُبَّ مُخادعٍ مكشوفٌ .
والثاني مثل : رُبَّ عملٍ شاقٍ تَحَمَّلْتُ
ومثال الجر بالواو بعد حذف رُبَّ : قول الشاعر ( امريء القيس ):
وليلٍ كموجِ البحرِ أرخى سدولَهُ عليَّ بأنواعِ الهمومِ ليبتلي
(أي رُبَّ ليلٍ كموجِ البحر) .
رابعاً : مواضِعُ زيادةِ حرفِ الجرِّ
لا يُزاد من حروفِ الجرِّ إلا الحروفُ التالية : من والباء والكاف واللام وتكون زيادتُها في الإعرابِ ، وليستْ في المعنى ، لأنها يؤتى بها لتوكيد المعنى .
من : تزادُ (مِنْ ) في الفاعِلِ والمفعولِ به والمبتدأ ، بشرط أن تُسْبَق بنفيٍ أو نهيٍ أو استفهامٍ بأداة الاستفهام فيه ( هل ) : فمن زيادتها في الفاعل قولُنا : ما جاءَ من أحدٍ = ما جاءُ أَحَدٌ
وزيادتها في المفعول به ، قولُنا : لا تَسْتَقْبِلْ منهم من أحدٍ .
وزيادتها في المبتدأ ، ولُه تعالى " هَلْ مِنْ خَالِقٍ غيرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ " = هل خَالِقٌ غيرُ اللهِ يَرزقكم
الجَرُّ في اللغةِ ، يعني تَحريكَ آخِرِ الاسمِ بالكَسْرِ .
أما في الاصطلاح النحويِّ ، فَيُقْصَدُ به : إيصالُ معنى الفعلِ أو ما هو في معناه : المصدرِ واسمِ الفاعلِ ومبالغاتِه ، واسمِ المفعولِ والصفةِ المُشَبَهَةِ إلى الاسمِ ، بواسطةِ حُروفِ الجَرِ . وذلك بِسَبَبِ قُصورِ وصولِ معنى الفِعلِ ـ أحياناً ـ إلى الاسم دُونَ وَسَاطَةٍِ .
ففي قولنا : سُقْتُ السَّيارَةَ ، فقد وصَلَ معنى الفعلِ ـ المتعدي ـ إلى الاسمِ ـ المفعولِ به ـ دونَ وساطةٍ .
أما في قولنا : جَلَسْتُ في السيارةِ ، فإن معنى الفعلِ ـ اللازم ـ لا يُمْكِنُ أن يَصِلَ إلى الاسمِ بِدونِ وساطةِ حرفِ الجرِّ (في) ـ وهذا هو القصدُ من مفهومِ الجَرِّ : وهو إيصالُ معنى الفعلِ إلى الاسمِ ، عن طريقِ حروفِ الجَرِّ .
والجَرُّ يَتَضَمَنُ موضوعين : الأولُ المجرورُ بحروف الجرِّ ، والثاني : المجرورُ بالإضافَةِ .
ثانياً : المجرورُ بحروفِ الجَرِّ :
حروفُ الجَرِّ هي : الباء ، من ، إلى ، عن ، على ، في ، اللام ، رُبَّ ، حتى . مُذْ ومُنْذُ . وتاءُ القَسَمِ وواوُهُ ، وخلا وحاشا وعدا .
وفيما يلي معني كلٍّ من هذهِ الحروفِ :
أ) الباء ، ومن معانيها .
الإلصاقُ ، الالتصاقُ الحقيقيِّ ، مثل : أَمْسَكْتُ بِيَدِكَ .
الإلصاقُ المجازيُّ . مثل : مَرَرتُ بدارِكَ .
الاستعانَةُ والوساطَةُ : أكلتُ بالمِلْعَقَةِ ، وكَتَبْتُ بالقَلَمِ .
السَّبَبُ أو التعليلُ : بِلُطْفِكِ أَحَبّكَ الناسُ .
العِوَضُ أو المقابَلَةُ : وتعني تعويضَ شيءٍ بشيءٍ آخَرَ ، مثل : خذْ السيارةَ بالحصانِ
البَدَلُ : ويعني اختيارَ أَحَدِ الشيئين على الآخَرِ بلا عِوَضٍ أو مُقابَلَةٍ ، مثل : ما سَرَّهُ أنَّهُ أكْرَمَ الابنَ بالأبِ .
التّعْدِيَةُ : أي تحويلُ الفِعلِ اللازمِ إلى مُتَعَدٍ ، مثل : ذَهَبَ المنْظَرَ بِعَقلِهِ = أذْهَبَهُ .
ومثل قَولِهِ تعالى " سُبحانَ الذي أسرى بِعَبِدِهِ ليلاً من المَسْجِدِ الحَرامِ إلى المَسْجِدِ الأقصى " .
الظّرفيةُ ـ بمعنى في ـ زُرْتَ المدينةَ بالليلِ .
المصاحبةُ . مثل : اذْهَبْ بِسلامٍ = مَصحوباً بالسّلامِ .
القَسَمُ . مثل : أُقْسِمُ باللهِ .
التوكيدُ وهي الزائدة لفظاً في الإعراب . مثل : بِحَسْبِكَ ما فَعَلْتَ = يَكفيكَ ما فَعَلْتَ.
ومثل : كفى باللهِ شَهيداً = كفى اللهُ شهيداً .
ب) تاءُ القَسَم ، وواوُ القَسَمِ .
تَخْتَصُّ تَاءُ القَسَمِ بثلاثِ كلماتٍ هي : تاللهِ ، وَتَرَبِّ الكَعْبَةِ ، وَتَرَبّي.
أما الواوُ ، فتدخُلُ على مُقْسَمٍ بهِ ظاهرٍ . مثل : واللهِ ، وَحياتِكَ ، وَحَقِّكُمْ .
الكاف
ومعناها التشبيهُ ، مثل : هَبّ المتسابقُ كالرِّيحِ .
وقد تأتي بمعنى( على) . مثل : كُنْ كَما أًنتَ = كُنْ ثابتاً على ما أنتَ عليه .
وتأتي للتعليل . مثل قولِهِ تعالى " واذكروهُ كما هَداكُم " .. أي بسبب هدايته لكم .
ومثل قولِنا اشْكُرْ أباكَ كما رَبَّاكَ .
وتأتي بمعنى ( مثل ) ، كقولِهِ تعالى على لسانِ عيسى بنِ مريمَ عليهِ السلامُ :
" وأَني أَخْلِقُ لكم من الطينِ كهيئةِ الطَّيْرِ " أي مِثْلَ هيئةِ الطيرِ .
وتأتي للتوكيد ، وهي الزائدةُ . مثلُ قولِهِ تعالى " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ " = لَيْسَ مِثْلَهُ شَيءٌ .
وأول معانيها الاختصاص : مِثل : المُلكُ للهِ . والدارُ لي والسَّرْجُ للفرسِ .
التعليلُ : مثل : سافرتُ للعلاجِ .
انتهاءُ الغايةِ : مثل : عُدْتُ لداري .
العاقِبَةُ والمآلُ والمصيرُ : مثلُ قولِ أبي العلاءِ المعريّ :
لدوا للموتِ وابنوا للخرابِ فَكُلّكُمُ يَصيرُ إلىتباب ........ ( والتباب الدمارُ )
توالدوا ليكون مصير أولادكم الموت وابنوا ليكون مصير ما تبنون الخراب .
الظّرْفِيَةُ : مثل ، كانَ ميلادُ الطفلِ لثلاثةٍ من شُباطَ أي في الثالث ، ومثل: صوموا لِرُؤُيَتِهِ ـ الهلال ـ عند رؤيته.
الاستغاثَةُ : وهي اللامُ المفتوحةُ . مثل يا لَلمحسنين .
التَعَجُّبُ ، وهي اللامُ المفتوحةُ . مثل : يا لَلروعةِ !
عن
ومعناها الأصليُّ المجاوزةُ والبُعْدُ . مثل اغتربتُ عن الوطَنِ .
ومن معانيها : البَدَليّةُ . مثل : أَجِبْ عَنيّ . ومثل لا يُجزى والدُ عن ولَدِهِ .
وتأتي بمعنى ( بعد) . مثل عما قليلٍ ستعرفون النتيجةَ ( عن + ما).
وتأتي بمعنى ( من ) مثل : " وهو الذي يَقْبَلُ التّوبةَ عن عِبادِهِ " .
وتأتي للتعليل : مثل قولِهِ تعالى " ما نَحْنُ بتاركي الهتِنا عن قَولِكَ " ، أي من أجل قولكَ أو بسبَبِهِ .
و . في
ومن معانيها :
الظرفيةُ الحقيقيةُ . مثل : أُقيمُ في الصّيفِ في صَوْفَرَ.
الظرفيةُ المجازيةُ : مثل : " وَلَكُمْ في رسولِ الله أسوةٌ حَسَنَةٌ " .
الاستعلاءُُ ـ بمعنى ( على ) . مِثْلُ قولِهِ تعالى " لأُصَلِّبَنَّكُم في جذوعِ النَّخْلٍِ " .
التعليلُ . مثل : دَخَلَ اَحَدُهُم السِّجْنَ في سَرِقَةٍ .
معنى ( مع ) . مثل : " ادخلوا في أُممٍ خَلَتْ " .
المقايَسَةً أو النِسْبَةَ . مثل قولِهِ تعالى " فما مَتاعُ الدُّنيا في الآخِرَةِ إلا قَليلُ " أي بالنسبة أو بالقياس للآخرةِ.
مذ ومنذ
تكونان حرفي جرٍ ، تُفيدان ابتداءَ الغايةِ ، ولا تأتيانِ إلا بعد فعل ماضٍ منفيٍّ ، مثل : لم أرَهُ مَذْ ، مُنْذُ
أُسبوعٍ .
وتكونان بمعنى ( في ) ، إن كانَ الزمانُ حاضِراً . مثل : ما سَمِعْتُ صَوْتَكَ مُذْ ، مُنْذُ يوميَ هذا . ما رأيتكُ مُذْ
، مُنْذُ ساعةٍ .
ح. من
أول معانيها ابتداءُ الغايةِ الزمانيةِ أو المكانيةِ . مثل : اَعَمَلُ من الساعةِ السابعةِ إلى الرابِعَةِ . ومثل : عُدْتُ من العَمَلِ إلى البيتَِ .
ومن معانيها التبعيضُ ـ بمعنى بَعْض ـ ، مثل : مِنْكُمْ مَنْ رَبِحَ ، ومنكم مَنْ لم يَرْبَحْ .
وبيانُ جِنْسِ ما قَبْلِها . مثل : ما عندكَ من صَدَقَةٍ ، فابْسُطْها للناسِ .
والبَدَلِيَّةُ . مثل : لن يُفيدك الكذبُ من الصدقِ شيئاً .
والتعليل . مثل : مِنْ تَهَوُّرِكَ خَسِرْتَ .
التوكيد . وهي الزائدة في الإعرابِ ، مثل : ما غابَ مِنْ أَحَدٍ .
إلى :
من معانيها :
انتهاءُ الغايةِ الزمانيةِ أو المكانيةِ . مثل : سَهِرتُ إلى الفَجْرِ , ومثل : مَشَيْتُ إلى المدينةِ الرياضيةِ .
مُرادِفَةُ ( مع ) . في الدلالة على المصاحَبَةِ . مثل : الدينارُ إلى الدينارِ ثَرْوَةٌ .
مرادفةُ (عن ) مثل : القِصَّةُ أحبُّ إليَّ من الروايةِ .
ي. رُبَّ
ومعناها التكثيرُ أو التقليلُ ، وذلك وِفْقَ قَرائِنَ ودلائلَ استعمالها . مثل : رُبَّ أخٍ لَكَ لم تَلِدْهُ أمُّكَ ، ورُبَّ غاشٍ رابحٌ .
على
ومعناها العامُ الاستعلاءُ ( العُلُوُّ ) حقيقةً مثل : المُسَجّلُ على الطاولَةِ .
أو مجازاً ، مثل : لَكَ عليَّ أفضالٌ . لكَ على الناسِ أفضالٌ .
وتأتي للتعليل : احتَرمْتُهُ على مساعدتِهِ لي .
وبمعنى ( في) : رَجَعَ على حينِ غَفْلَةٍ .
وبمعنى ( مع ) : أُحِبُّهُ على كَذِبِهِ .
وبمعنى ( مِنْ ) مثل قوله تعالى " إذا اكتالو على الناسِ يستوفون " .
وبمعنى ( الباء ) : حقيقُ عليَّ (بي) أنْ أقولَ الحقَّ .
وتأتي للاستدراكِ بمعنى ( لَكِنْ ) : التاجِرُ خَسِرَ كُلَّ رأسِ مالِهِ ، على أنًّهُ لم ييأسْ .
وهي في هذه الحالة لا تَسْتَحِقُ إلى ما تَتَعَلَّقُ بِهِ .
وبمعنى ( عن ) : إذا رَضِيَ عليكَ صاحبُ العَمَلِ ، فلا تُخَيِّبْ ظَنَّهُ .
الاستعانةُ : مثل : اركبْ على اسمِ اللهِ = مُستعيناً بِهِ .
ل. خلا وعدا وحاشا
وهي حروفُ جَرٍ شبيهةُ بالزائدةِ ، أي أنها لا تحتاجُ إلى مُتَعَلِّقٍ ، ويكونْ الاسم بعدها مَجروراً لفظاً ، منصوباً مَحَلاً على أنّهُ مُستثنى .
نقول : أُحِبُّ المسرحياتِ خلا الهابطةِ .
أستَمِعُ إلى الأغنياتِ عدا التافِهَةِ .
أقرأُ الصُّحُفَ حاشا الصفراءِ
تَعَلُّقٌ الجارِ والمجرورِ :
يُفيدُ الجارُ والمجرورُ ـ وهما يسميان شبهَ جُمْلَةٍ ـ في الكلامِ إتمامَ معنى الجملة ، بما يضيفانه من معانٍ جديدةٍ للفعلِ أو ما يشبهُ الفعلَ في الجملة . وتتمثَلُ هذه الإضافةُ ، في تحديدِ زمانِ الفِعْلِ أو مكانِه أو سَبَبِهِ أو وسيلتِهِ أو غيرِها من المعاني الإضافيةِ التي تستفادُ من الجارِ والمجرورِ في الجملةِ ، وربطُ هذه المعاني الجديدةِ بالفعلِ أو ما يُشْبِهُ الفعلَ من مصدرٍ أو اسمِ فاعلٍ أو صفةٍ مُشَبَهَةٍ أو اسمِ مفعولٍ أو ما يدلُ على معنى الصفةِ ، وذلك من أجلِ بيانِ العلاقة بين الجار والمجرور وبين الفعلِ أو ما يُشبههُ . وهذا هو المقصودُ بِتَعَلِّقِ الجارِ والمجرورِ وارتباط معناه بمعنى الفعل ـ أو ما يُشبهُ الفِعل ـ السابق له في الكلامِ .
فمثال ارتباط الجار والمجرور بالفعل . رسمتُ اللوحةَ بالألوانِ المائيةِ.
حيثُ تعلقَّ الجارُ والمجرورِ وارتبطَ معناهما ـ بالألوانِ ـ بالفعلِ ( رَسَمَ ) وفي مثل قولِنا رَسْمُ اللوحةِ بالألوانِ الزيتيةِ أفضلُ . حيث ارتبطَ الجار والمجرورُ ـ بالألوان ـ بالمصدر ( رَسْمُ ) .
وفي قولنا : أنا راسمُ اللوحةِ بالألوان. ارتبط الجار والمجرور باسم الفاعل (راسم ).
وفي قولنا : اللوحةُ مرسومةٌ بالألوانِ . ارتبط الجار والمجرور باسم المفعول ( مرسوم ) .
وفي قولنا : أفٍ للصداع . ارتبطَ الجارُّ والمجرور ( للصداع) باسمِ الفِعْلِ ( أُفٍ ) .
وفي حالةِ كونِ ما يتعلقُ به الجارُ والمجرور كوناً عاماً ـ كائن ، موجود ، مُستقرـ فإنه يحذفُ وجوباً ، ولا يجوزُ ذِكْرُهُ . مثل : أخوك في الدارِ ، والعصفورُ في القفصِ ، والقمرُ في السماءِ ، فَمَتعَلَّقُ حروفِ الجرِّ في هذه الجملِ وتقديره : أخوكَ ـ موجودٌ ـ في الدارِ ، والعصفورُ مُسْتَقرٌ ـ في القفصِ ، والقَمَرُ ـ كائِنٌ ـ في السماءِ . يكون في مثل هذه الحالاتِ محذوفاً لفظاً ومقدراً في الذهنِ
وحروف الجرِّ من حيثُ حاجَتُها إلى التَّعَلُقِ ثَلاثةُ أنواعٍ :
1. حَرْفُ جرٍ أصليٌّ ، ويتوقف عليه فهم المعنى ، وهو المحتاج إلى متعلق .
2. حرفُ جَرٍ زائدٌ ، عمله التوكيدُ ، ويتوقف عليه فَهْمُ المعنى ، وهو غيرُ مُحتاجٍ إلى مُتَعَلقٍ مثل : ما جاءَ من أحدٍ = ما جاءَ أحدٌ .
3. حرفُ جرٍ شبيهٌ بالزائد : وهو ما لا يُمكنُ الاستغناءُ عنه لفظاً ولا معنى وهو غيرُ محتاجٍ إلى متعلقٍ .
وهذه الحروف هي : رُبَّ وخلا وعدا وحاشا
والاسمُ بعد رُبَّ مجرورٌ لفظاً بِرُبَّ نَفْسِها ، المذكورةِ ، أو المقدرةِ بعد الواو ,والتي تسمى واو رُبّ ، وهو في الحالتين إما أن يكون في محل رفع على الابتداء أو في محل نصب على أنه مفعول به .
فالأول مثل : رُبَّ مُخادعٍ مكشوفٌ .
والثاني مثل : رُبَّ عملٍ شاقٍ تَحَمَّلْتُ
ومثال الجر بالواو بعد حذف رُبَّ : قول الشاعر ( امريء القيس ):
وليلٍ كموجِ البحرِ أرخى سدولَهُ عليَّ بأنواعِ الهمومِ ليبتلي
(أي رُبَّ ليلٍ كموجِ البحر) .
رابعاً : مواضِعُ زيادةِ حرفِ الجرِّ
لا يُزاد من حروفِ الجرِّ إلا الحروفُ التالية : من والباء والكاف واللام وتكون زيادتُها في الإعرابِ ، وليستْ في المعنى ، لأنها يؤتى بها لتوكيد المعنى .
من : تزادُ (مِنْ ) في الفاعِلِ والمفعولِ به والمبتدأ ، بشرط أن تُسْبَق بنفيٍ أو نهيٍ أو استفهامٍ بأداة الاستفهام فيه ( هل ) : فمن زيادتها في الفاعل قولُنا : ما جاءَ من أحدٍ = ما جاءُ أَحَدٌ
وزيادتها في المفعول به ، قولُنا : لا تَسْتَقْبِلْ منهم من أحدٍ .
وزيادتها في المبتدأ ، ولُه تعالى " هَلْ مِنْ خَالِقٍ غيرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ " = هل خَالِقٌ غيرُ اللهِ يَرزقكم