فر من المجذوم
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : " لا عَدوى ، و لا طِيَرة ، و لا هامَّة ، و لا صَفَر . وفِرَّ من المجذوم كما تفرُّ من الأسد " . صحيح البخاري في الطب 5707
و زاد مسلم : " و لا نَوء " ، و لمسلم أيضاً من حديث جابر رضي الله عنه : " لا عدوى و لا صفر و لا غُول " ، فالحاصل من ذلك ستة أشياء : العَدوى ، و الطِّيرة ، و الهامَّة ، و الصفر ، و الغُول ، و النَّوء .
و ينفي النبي صلى الله عليه و سلم في هذه الأحاديث العقائد الباطلة و الخرافات التي كانت سائدة بين العرب في الجاهلية ، فقد كانت العرب تزعم أن الغيلان في الفلوات ، و هي جنس من الشياطين تتراءى للناس و تتغوَّل لهم تَغَوُّلاً _ أي تتلون تلوناً _ فتضلهم عن الطريق فتهلكهم . و قد كثر في كلامهم : غالته الغُول ، أي أهلكته أو أضلَّته .. فأبطل صلى الله عليه و سلم ذلك . و أما النَّوء : فقد كانوا يقولون : مُطرنا بنوء كذا فأبطل صلى الله عليه و سلم ذلك و بيَّن بأن المطر إنما يقع بإذن الله لا بفعل الكواكب ، و إن كانت العادة جرت بوقوع المطر في ذلك الوقت لكن بإرادة الله تعالى و تقديره ، لا صنع للكواكب .
و أما قوله " لا عَدوى " فالمراد منه أن شيئاً لا يعدي بطبعه نفياً لما كانت الجاهلية تعتقده أن الأمراض تعدي بطبعها من غير إضافة إلى الله ، فأبطل النبي صلى الله عليه و سلم اعتقادهم ذلك و بيَّن لهم أن الله هو الذي يُمرِض و يشفي . و أما قوله " لا هامَّة " قيل هي بتشديد الميم ، و الكثيرون على تخفيفها ، و من شدَّد ذهب إلى واحدة من الهوام و هي ذوات السموم ، و قيل هي دواب الأرض التي تهم بأذى الناس ، و هذا لا يصح نفيه إلا إن أريد أنها لا تضر لذواتها و إنما تضر إذا أراد الله إيقاع الضرر بمن أصابته . و قد ذكر الزبير بن بكار في ( الموفقيات ) أن العرب كانت في الجاهلية تقول : إذا قتل الرجل و لم يؤخذ بثأره خرجت من رأسه هامة _ و هي دودة _ فتدور حول قبره فتقول : اسقوني .. اسقوني ، فإن أدرك بثأره ذهبت و إلا بقيت ، و في ذلك قول شاعرهم :
فيا عَمرو إلا تَدَع شَتمي وَ منقَصتي أضرِبك حتى تقول الهامةُ اسقوني
قال : و كانت اليهود تزعم أنه تدور حول قبره سبعة أيام ثم تذهب . و ذكر ابن فارس و غيره من اللغويين نحو الأول ، إلا أنهم لم يعينوا كونها دودة ، بل قال القزاز : الهامة طائر من طير الليل كأنه يعني البومة . و قال ابن الأعرابي : كانوا يتشاءمون بها ، إذا وقعت على بيت أحدهم يقول : نعت إلي نفسي أو أحداً من أهل داري . و قال أبو عبيد : كانوا يزعمون أن عظام الميت تصير هامة فتطير ، و يسمون ذلك الطائر : الصدأ [ انظر فتح الباري 10 / 159 _ 241 ] .
وأما الطِّيرة : فهي مصدر تَطَيَّرَ ، و أصل التطير انهم كانوا في الجاهلية يعتمدون على الطير ، فإذا خرج أحدهم لأمر فإن رأى الطير طار يمنة تيمن به و استمر ، وإن رآه طار يسرة تشاءم به و رجع ، و ربما كان أحدهم يهيج الطير فيعتمدها ؛ فجاء الشرع بالنهي عن ذلك [ فتح الباري ، ص 171 ] . و أما قوله " لا صَفَر " بفتحتين ، فقد نقل أبو عببيدة معمر بن المثنى في ( غريب الحديث ) عن رؤبة بن العجاج قال : هي حية تكون في البطن تصيب الماشية و الناس ، و هي أعدى من الجرب عند العرب ، فعلى هذا : المراد بنفي الصَّفَر ما كانوا يعتقدون فيه من العدوى ، و رجح البخاري هذا القول لكونه قرن الحديث بالعدوى ، و قيل : المراد بالصفر الحية ، لكن المراد بالنفي نفي ما كانوا يعتقدون أن من أصابه قتله ؛ فرد ذلك الشارع بأن الموت لا يكون إلا إذا فرغ الأجل . و قيل : المراد به شهر صفر ، و ذلك أن العرب كانت تحرم صفر و تستحل المحرم ، فجاء الإسلام برد ما كانوا يفعلونه من ذلك .
وأما قوله بعد ذلك : " و فِرَّ من المجذوم فرارك من الأسد " فقد ذكر العلماء في الجمع بينه و بين قوله : " لا عدوى " أقوالاً كثيرة ، فرأى بعضهم أن الأمر بالمجانبة محمول على حسم المادة و سد الذريعة لئلا يحدث للمخالط شيئاً من ذلك ، فيظن أن سببه المخالطة فيثبت العدوى التي نفاها الشارع ، و يؤيد هذا ما أخرجه الترمذي عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم أخذ بيد مجذوم فوضعها في القصعة , قال : كل ثقة بالله و توكلاً عليه . فأكلهُ صلى الله عليه و سلم مع المجذوم ليبين لهم أن الله هو الذي يُمرض و يشفي ، و نهاهم عن الدنو منه ليبين لهم أن هذا من الأسباب التي أجرى الله العادة بأنها تفضي إلى مسبباتها ، و يحتمل أن يكون أكله صلى الله عليه و سلم مع المجذوم أنه كان به أمر يسير لا يعدي مثله في العادة ، إذ ليس الجذما كلهم سواء و لا تحصل العدوى من جميعهم [ انظر : نشرة الجذام الصادرة عن مستشفى ابن سينا بحداء ]
وقد ثبت علمياً أن نسبة الإصابة بهذا المرض قليلة جداً ، إذ أن أكثر من 90 % من الناس لديهم مناعة طبيعية ضد هذا المرض ، و هو مرض يصيب الإنسان و يشمل الجلد و الأعصاب و العين و الخصى و العظام و الجهاز التنفسي العلوي و أعضاء أخرى ، و يسبب هذا المرض جرثومةٌ عصوية تنتقل من المريض إلى السليم بواسطة استنشاق الهواء أو بواسطة التَّماس الجلدي أو لدغ بعض الحشرات ، و 10 % من الناس الذين ليس لديهم مناعة طبيعية ضد هذا المرض ينقسمون غلى قسمين :
أ- الذين مناعتهم ضعيفة و في هذا النوع تظهر الإصابة .
ب- الذين مناعتهم شبه معدومة .
فقلة نسبة الإصابة تبين لنا سبب أكله صلى الله عليه و سلم مع المجذوم [ انظر الحقائق الطبية في الإسلام ] .
المصدر : " الأربعون العلمية " عبد الحميد محمود طهماز - دار القلم
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : " لا عَدوى ، و لا طِيَرة ، و لا هامَّة ، و لا صَفَر . وفِرَّ من المجذوم كما تفرُّ من الأسد " . صحيح البخاري في الطب 5707
و زاد مسلم : " و لا نَوء " ، و لمسلم أيضاً من حديث جابر رضي الله عنه : " لا عدوى و لا صفر و لا غُول " ، فالحاصل من ذلك ستة أشياء : العَدوى ، و الطِّيرة ، و الهامَّة ، و الصفر ، و الغُول ، و النَّوء .
و ينفي النبي صلى الله عليه و سلم في هذه الأحاديث العقائد الباطلة و الخرافات التي كانت سائدة بين العرب في الجاهلية ، فقد كانت العرب تزعم أن الغيلان في الفلوات ، و هي جنس من الشياطين تتراءى للناس و تتغوَّل لهم تَغَوُّلاً _ أي تتلون تلوناً _ فتضلهم عن الطريق فتهلكهم . و قد كثر في كلامهم : غالته الغُول ، أي أهلكته أو أضلَّته .. فأبطل صلى الله عليه و سلم ذلك . و أما النَّوء : فقد كانوا يقولون : مُطرنا بنوء كذا فأبطل صلى الله عليه و سلم ذلك و بيَّن بأن المطر إنما يقع بإذن الله لا بفعل الكواكب ، و إن كانت العادة جرت بوقوع المطر في ذلك الوقت لكن بإرادة الله تعالى و تقديره ، لا صنع للكواكب .
و أما قوله " لا عَدوى " فالمراد منه أن شيئاً لا يعدي بطبعه نفياً لما كانت الجاهلية تعتقده أن الأمراض تعدي بطبعها من غير إضافة إلى الله ، فأبطل النبي صلى الله عليه و سلم اعتقادهم ذلك و بيَّن لهم أن الله هو الذي يُمرِض و يشفي . و أما قوله " لا هامَّة " قيل هي بتشديد الميم ، و الكثيرون على تخفيفها ، و من شدَّد ذهب إلى واحدة من الهوام و هي ذوات السموم ، و قيل هي دواب الأرض التي تهم بأذى الناس ، و هذا لا يصح نفيه إلا إن أريد أنها لا تضر لذواتها و إنما تضر إذا أراد الله إيقاع الضرر بمن أصابته . و قد ذكر الزبير بن بكار في ( الموفقيات ) أن العرب كانت في الجاهلية تقول : إذا قتل الرجل و لم يؤخذ بثأره خرجت من رأسه هامة _ و هي دودة _ فتدور حول قبره فتقول : اسقوني .. اسقوني ، فإن أدرك بثأره ذهبت و إلا بقيت ، و في ذلك قول شاعرهم :
فيا عَمرو إلا تَدَع شَتمي وَ منقَصتي أضرِبك حتى تقول الهامةُ اسقوني
قال : و كانت اليهود تزعم أنه تدور حول قبره سبعة أيام ثم تذهب . و ذكر ابن فارس و غيره من اللغويين نحو الأول ، إلا أنهم لم يعينوا كونها دودة ، بل قال القزاز : الهامة طائر من طير الليل كأنه يعني البومة . و قال ابن الأعرابي : كانوا يتشاءمون بها ، إذا وقعت على بيت أحدهم يقول : نعت إلي نفسي أو أحداً من أهل داري . و قال أبو عبيد : كانوا يزعمون أن عظام الميت تصير هامة فتطير ، و يسمون ذلك الطائر : الصدأ [ انظر فتح الباري 10 / 159 _ 241 ] .
وأما الطِّيرة : فهي مصدر تَطَيَّرَ ، و أصل التطير انهم كانوا في الجاهلية يعتمدون على الطير ، فإذا خرج أحدهم لأمر فإن رأى الطير طار يمنة تيمن به و استمر ، وإن رآه طار يسرة تشاءم به و رجع ، و ربما كان أحدهم يهيج الطير فيعتمدها ؛ فجاء الشرع بالنهي عن ذلك [ فتح الباري ، ص 171 ] . و أما قوله " لا صَفَر " بفتحتين ، فقد نقل أبو عببيدة معمر بن المثنى في ( غريب الحديث ) عن رؤبة بن العجاج قال : هي حية تكون في البطن تصيب الماشية و الناس ، و هي أعدى من الجرب عند العرب ، فعلى هذا : المراد بنفي الصَّفَر ما كانوا يعتقدون فيه من العدوى ، و رجح البخاري هذا القول لكونه قرن الحديث بالعدوى ، و قيل : المراد بالصفر الحية ، لكن المراد بالنفي نفي ما كانوا يعتقدون أن من أصابه قتله ؛ فرد ذلك الشارع بأن الموت لا يكون إلا إذا فرغ الأجل . و قيل : المراد به شهر صفر ، و ذلك أن العرب كانت تحرم صفر و تستحل المحرم ، فجاء الإسلام برد ما كانوا يفعلونه من ذلك .
وأما قوله بعد ذلك : " و فِرَّ من المجذوم فرارك من الأسد " فقد ذكر العلماء في الجمع بينه و بين قوله : " لا عدوى " أقوالاً كثيرة ، فرأى بعضهم أن الأمر بالمجانبة محمول على حسم المادة و سد الذريعة لئلا يحدث للمخالط شيئاً من ذلك ، فيظن أن سببه المخالطة فيثبت العدوى التي نفاها الشارع ، و يؤيد هذا ما أخرجه الترمذي عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم أخذ بيد مجذوم فوضعها في القصعة , قال : كل ثقة بالله و توكلاً عليه . فأكلهُ صلى الله عليه و سلم مع المجذوم ليبين لهم أن الله هو الذي يُمرض و يشفي ، و نهاهم عن الدنو منه ليبين لهم أن هذا من الأسباب التي أجرى الله العادة بأنها تفضي إلى مسبباتها ، و يحتمل أن يكون أكله صلى الله عليه و سلم مع المجذوم أنه كان به أمر يسير لا يعدي مثله في العادة ، إذ ليس الجذما كلهم سواء و لا تحصل العدوى من جميعهم [ انظر : نشرة الجذام الصادرة عن مستشفى ابن سينا بحداء ]
وقد ثبت علمياً أن نسبة الإصابة بهذا المرض قليلة جداً ، إذ أن أكثر من 90 % من الناس لديهم مناعة طبيعية ضد هذا المرض ، و هو مرض يصيب الإنسان و يشمل الجلد و الأعصاب و العين و الخصى و العظام و الجهاز التنفسي العلوي و أعضاء أخرى ، و يسبب هذا المرض جرثومةٌ عصوية تنتقل من المريض إلى السليم بواسطة استنشاق الهواء أو بواسطة التَّماس الجلدي أو لدغ بعض الحشرات ، و 10 % من الناس الذين ليس لديهم مناعة طبيعية ضد هذا المرض ينقسمون غلى قسمين :
أ- الذين مناعتهم ضعيفة و في هذا النوع تظهر الإصابة .
ب- الذين مناعتهم شبه معدومة .
فقلة نسبة الإصابة تبين لنا سبب أكله صلى الله عليه و سلم مع المجذوم [ انظر الحقائق الطبية في الإسلام ] .
المصدر : " الأربعون العلمية " عبد الحميد محمود طهماز - دار القلم